مع تسلّم وزير التربية عباس الحلبي مهامّه، انتظر المعنيون بالتعليم العالي أن يصلح الوزير الجديد ما أفسده سلفه طارق المجذوب من تعطيل عمل مجلس التعليم العالي وضرب عرض الحائط بكل قراراته التي اتخذها في زمن الوزير الأسبق أكرم شهيب، بإقفال عشرات الجامعات – الدكاكين والفروع والاختصاصات غير المرخّصة، وتغريم بعض الجامعات المخالفة، وتبرير التسميات الأجنبية التي تتخذها لنفسها وتضلّل الطلاب بها، كـ «الأميركية» و«الألمانية» و«الكندية»، وما إذا كانت لهذه الدول علاقة بها فعلاً أم أن الأمر لا يتجاوز التسويق التجاري وانتحال الصفة.
لكنّ الخلف لم يطبق قاعدة الحكم استمرار، ولم يقف في وجه منح التراخيص العشوائية، من ضمن المحاصصة الطائفية، لعشرات الفروع الجديدة التي تحيط بها الشبهات، وأكثر ما يثير الاستغراب أنه لم يعارض أن تتمثّل في مجلس التعليم العالي الجديد الذي عيّنه أخيراً جامعات متهمة ببيع شهادات وعليها دعاوى قضائية، كجامعة الثقافة والآداب (AUC) التي يملكها حالياً رجل الأعمال وسام عاشور.
الفروع الجغرافية المرخّصة أخيراً في مجلس الوزراء جاءت وسط زوبعة فساد تتعلق ببيع الشهادات للطلاب العراقيين (27 ألف شهادة) وأساءت إلى الجامعات العريقة وإلى الشباب اللبناني الباحث عن فرصة عمل، كما إلى سمعة التعليم في لبنان. ومن هذه الجامعات الجامعة الإسلامية، وجامعة الجنان، والجامعة الحديثة للإدارة والعلوم MUBS التي رخّص لها المجلس فرعاً جغرافياً في راشيا. والأخيرة كان أكثر من عضو في مجلس التعليم العالي قد نبهوا في أيام الوزير شهيب إلى وجود مخالفات قانونية في ما يتعلق بمبانيها غير المستقلّة وعقود إيجارها، إلا أن «أصحابها استدركوا الأمر وأرسلوا مستنداً ورقياً يتعهدون بتحسين الأمور، إلا أن أحداً من مجلس التعليم العالي واللجنة الفنية لم يكشف على المباني مجدداً ويتأكّد من صحة ذلك»، بحسب عضو مجلس التعليم العالي السابق عبد الحسن الحسيني، لافتاً إلى أن «من المفارقات أن السلطة السياسية تكرم جامعات مخالفة للقوانين بمنحها تراخيص لفروع جديدة، وتعرقل ملفات جامعات تحترم المعايير».
وأوضح أن مجلس التعليم العالي برئاسة شهيب كلّف لجاناً للتدقيق في الجامعات وفروعها، ومن بينها جامعة USAL التابعة لجمعية المبرات الخيرية، وقد كشفت لجنة متخصّصة، كان الحسيني أحد أعضائها، على الجامعة ورفعت إلى مجلس التعليم العالي تقريراً حدّدت فيه نقاطاً إيجابية وأخرى سلبية لتحسين أدائها، وأثنت فيه على احترامها للمعايير وأوصى المجلس بالموافقة على افتتاح قسم للتمريض فيها في ولاية الوزير الأسبق مروان حمادة، وأكد التوصية خلال ولاية الوزير شهيب، «إلا أن الملف ينام في الأدراج لأسباب مجهولة، رغم المراجعات المتكرّرة ورغم وجود مستشفى خاص للجامعة». وأضاف أنه في أيام الوزير طارق المجذوب «جرى الترخيص لخمسة فروع للجامعة اللبنانية الدولية في جميع الاختصاصات، بما فيها الهندسة، ولم يرخص لجامعات مستوفية الشروط مثل الجامعة الأميركية والجامعة اليسوعية والجامعة اللبنانية الأميركية وجامعة الكسليك بفتح اختصاصات جديدة».
تمثيل جامعات عليها دعاوى قضائية في مجلس التعليم العالي الجديد
ويجدر التذكير أن الجامعات والفروع التي اتُّهمت بتزوير شهادات للبنانيين أيام المدير العام السابق للتعليم العالي أحمد الجمال لا تزال تعمل وتستقبل طلاباً ولم تُتخذ بحقها أيّ إجراءات أكاديمية أو قضائية، ومنها AUC والجامعة اللبنانية الفرنسية (ULF) وAUL.
مع ذلك، هناك رهان اليوم على مجلس التعليم العالي بسحب التراخيص من الجامعات المخالفة وعلى اللجنة الفنية الجديدة المرتبطة بالمجلس التي شكّلها الحلبي آخر كانون الثاني الماضي، وهي المخوّلة درس طلبات الجامعات ورفع توصيات بشأنها إلى المجلس. ويأمل المعنيون أن لا تتصدر تسوية أوضاع متخرّجي الجامعات المخالفة جدول أعمال المجلس كما كانت الحال أيام الوزير السابق، فيجري تجاهل الملفات ذات الطابع الرقابي والأكاديمي والتنموي وملفات بعض الجامعات التي تحترم الحد الأدنى من القواعد الأكاديمية، وأن لا تستمر العقلية نفسها التي كانت ولا تزال تدار بها شؤون التعليم العالي.