IMLebanon

جامعة لبنانية… لا إسلامية ولا مسيحية

ثمة من يأخذ الجامعة اللبنانية الى ساحة المذاهب والطوائف. نجح هذا البعض في تغيير وظيفتها، رغم الطاقات الموجودة فيها والحريصة على استمرارها واحة للتعليم العالي. فقد بتنا اليوم نخاف على الجامعة من شعارات جوفاء تستعاد عند كل منعطف، وتدخل سياسي فاضح، يجعلها مكاناً للمحاصصة والتقاسم، وسيطرة طائفية ومذهبية تسيّر شؤونها، وتقضي على اي تدقيق أو معايير أكاديمية واضحة وشفافة. فواقع الجامعة الراهن، ينذر، اذا استمر النظر اليها ساحة للمنافع والتقاسم والمحاصصة، في ان تتحول جامعة فاقدة لمقوماتها الاكاديمية، ومرتعاً للعابثين، ومكاناً للفوضى يسقط ما تبقى من نخبة جامعية يفترض دورها العلمي أنها تؤسس للحداثة. ولعل ما حدث في الجامعة أخيراً، أنهى رسمياً حقبة من تاريخها الذهبي المضيء، حين كانت جامعة يفتخر الجميع بدورها الأكاديمي ووظيفتها البحثية العلمية، وحين كانت محصنة ضد الاختراق السياسي والطائفي والإستباحة، فشهدنا خروجاً فاضحاً للخطاب المذهبي، الذي يطالب بحقوق الطائفة في تعيينات الجامعة، وفي المقابل إدارة تخضع لما يمليه أهل السياسة والطوائف، فتتحكم مصالح المذاهب في أمور الجامعة وتتدخل في شؤونها، لتعين من ترغب فيه تابعاً وترحّل من يتمرد عليها أو يخرج عن طوعها ومشيئتها، حتى بتنا أمام مؤسسة تنازع، لكنها لا تستسلم للذين يريدون نحرها باسم الطائفة أو المذهب، ولا لأولئك الذين يعيثون فيها فساداً، وهم عار على الجامعة وتاريخها.

لم تبدأ المشكلة من تعيينات المديرين، بل من المسار الذي سلكته الجامعة خلال السنوات الأخيرة. قبل المديرين، نتذكر المحاصصة في ملف التفرغ، من ملف تضخم بفعل تدخل الوصاية السياسية والطائفية، من 300 استاذ الى أكثر من 1200، لا يشكلون نخبة أكاديمية صافية، وبعضهم مشكوك في شهادته، وهو ما أعطى القوى السياسية والطائفية نفوذاً أقوى من الجامعة ومجالسها. وفي التعيينات، التي تقررت بتسويات بين القوى ذاتها، حصلت خلال انتخابات الأسماء واختيارها،خرجت المذاهب لتطالب بحصصها في بعض المواقع، بخطاب طائفي فاضح، قد يكون جاهزاً للاستخدام في أي لحظة، وتجييش الشارع خدمة لها، علماً أن التعيينات فيها الكثير من الالتباسات والمغالطات في بعض الكليات والمعاهد، لأن القرار السياسي والطائفي حكمها على حساب المعايير الأكاديمية.

وفي هذه الجامعة التي يحاولون القضاء عليها، تسقط النخب الأكاديمية أمام الطائفة والمذهب والسياسي. لكن يبقى فيها نبض طاقات علمية في كلياتها تغالب لرفعة شأنها، ولا تزال تخرّج من بين الركام مستويات تستطيع أن تنافس متخرجي أرقى الجامعات. هو نبض يبنى عليه، إذا قررت النخب أن تنهض بالجامعة وتواجه “العار” ومحاولات تدميرها. فالجامعة ليست شيعية أو سنية أو مارونية أو كاثوليكية أو أرثوذكسية أو درزية، ليست جامعة للمذاهب، هي جامعة لبنانية أولاً وأخيراً. فلتكن باستقلاليتها قادرة على جبه كل انواع التدخل والوصاية!