يدخل الأستاذ الجامعة للتعليم ووظيفته الأولى البحث. قبل ذلك، يفترض أن تكون شهادة الدكتوراه التي يحملها بعد تحصيل أكاديمي علمي قد أعدّت بناء على جهد بحثي ومسيرة أكاديمية راكمت مساهمات وكرّست أعمالاً علمية في الجامعة أو في مراكز بحوث متخصصة. ولا يتوقف الجهد البحثي والعمل الأكاديمي لدى الأستاذ الجامعي في الجامعة، فهو معني بقضايا كثيرة في البلد، اذا اعتبرنا أن البحوث لها علاقة بالمجتمع أو بالاقتصاد أو علمية بحتة، وهي دليل على نشاط النخب الأكاديمية المعنية في أي وقت بتحديد موقف أو بوضع خريطة طريق أو الوقوف ضد الإرهاب وضد الفساد، والمساهمة في الإصلاح. لذا، وظيفة الأستاذ ليست التعليم فحسب على رغم ان التواصل مع الطلاب يفتح الطريق على البحث، وهذا هو المغزى الأساسي من التعليم العالي.
والجامعة ايضاً معنية بالبحوث، وهذه هي وظيفتها الأولى، أي التعليم والبحوث، فها هي الجامعة اللبنانية على سبيل المثال، تسجل نسبة مرتفعة من البحوث في بعض الكليات، لكنها تحتاج الى تدقيق في النوعية. هنا نتحدث عن هذه الجامعة التي نافست قبل الحرب الأهلية جامعات عريقة وتاريخية، كالجامعتين الأميركية واليسوعية، في مجال البحث الأكاديمي وفي مستوى التعليم، ومتخرجوها يشهدون على ذلك. فهل الجامعة واساتذتها اليوم على مستوى تحدي هذه الوظيفة؟ وهل الأساتذة المتفرغون وأعضاء مجلس الجامعة ورئيسها يمارسون دورهم الأكاديمي كاملاً؟ المشكلة أن الجامعة ما عادت تلك المؤسسة التي عرفنا يوماً مسيرتها، انها كانت تتميز بمناخ بحثي وعلمي واساتذتها يمارسون مهماتهم ويقومون بدورهم متفرغين على أكمل وجه، لنشهد أن مساراً مختلفاً يسود هذه الجامعة، على الرغم من أن أساتذة وكليات تغالب لتقديم مستوى أكاديمياً يرتكز على البحث، في حين أن أقساماً كثيرة لا تكترث، وأساتذة لا يقدمون خبراتهم الكاملة في التعليم، الى التدخل السياسي الذي يجعل من اساتذة، جزءاً من الإصطفاف السياسي، فيؤثر ذلك سلباً على المسارين الأكاديمي والبحثي.
وليس تفرغ الاساتذة في الجامعة ايضاً، إلا جزءاً من عدّة البحث، فعندما يصبح التفرغ مجرد وظيفة للتعليم وإنهاء ساعات الحصص، لا يعود هناك أي معنى أكاديمي يرتبط بالبحث، خصوصاً وأن عدداً كبيراً من اساتذة الجامعة من مختلف الاختصاصات يزاولون أعمالاً أخرى ويخرقون قانون التفرغ، على الرغم من حصولهم على سلسلة خاصة للرواتب، وتجري تغطية بعضهم ويجاز للبعض الآخر الاستمرار بالخروق، فيما يحاسب قسم آخر غير محسوب على مرجعية سياسية أو طائفية. ونشهد أيضاً تمييزاً في التعامل مع هذا الوضع، في وقت نعلم أن عدداً من الأساتذة الذين دخلوا عبر عقود التفرغ الأخيرة لا يستوفون الشروط الأكاديمية، وهي الوظيفة الأولى للبحث العلمي. فإلى متى يستمر المسار الانحداري ومن هو المنقذ في المقام الأخير؟