Site icon IMLebanon

تفرُّغ “اللبنانية”… المعارضون: لا للمَذهَبة المؤيّدون: بدّو يمشي

 

تقليص عدد الأساتذة المُقترَح من 1854 إلى 1300… والعقدة المالية تتربّص

 

ملفّ التفرّغ بصيغته الأولى المُرسَلة من رئيس الجامعة اللبنانية إلى وزير التربية «كارثيّ». فعدد الأساتذة الواردة أسماؤهم في الملف (1854 يتوزّعون بين 740 شيعياً، 576 مسيحياً، 481 سنّياً و57 درزياً)، يجري العمل حالياً على تقليصه إلى 1300. ورغم ذلك، لا تزال التجاذبات السياسية والطائفية والحزبية سيّدة الموقف في ظلّ تخوّف من أن يشكّل غياب تمويل الملفّ حملاً إضافياً يضاف إلى أعباء الجامعة الغارقة أصلاً في متاهات عجزها المالي.

 

نستطلع، في الأثناء، آراء عددٍ من الجهات السياسية الرئيسة ونسأل عن السبُل لحلحلة عقد الملفّ المتشعّبة.

 

في حديث لـ»نداء الوطن»، اعتبر عضو كتلة الجمهورية القوية، النائب جورج عقيص، أن موقف «القوّات» واضح في هذا الخصوص: الكفاءة من ضمن المناصفة. ورأى ضرورةً لإعادة تشكيل مجلس الجامعة كي يؤدّي واجبه في إبداء الرأي دون اختزال القرارات بشخص الرئيس. «نحن مع إنصاف كلّ الأساتذة الجامعيين شرط مراعاة اعتبارَين أساسيَّين وهما الكفاءة والشفافية، اللذان يشكّلان أساس مقاربتنا لأي ملفّ توظيفي في القطاع العام؛ ومراعاة التوازن الطائفي طالما أن الدستور يلحظ المناصفة».

 

الخشية، بحسب عقيص، أن يأخذ الملفّ طابعاً مذهبياً وليس فقط طائفياً. والمقصود هنا «تشيّع» الجامعة، المرفوض بشكل قاطع، ما يدعو للتفكير بصِيَغ أخرى أبرزها لامركزية الجامعة. لكن كيف يمكن إعادة استقطاب أعداد كافية من الأساتذة المسيحيّين إليها؟ «حين يُصار إلى اعتماد معيارَي الكفاءة والشفافية في كافة الملفّات، بدءاً بالتوظيفات إلى التفرّغ والملاك وغيرها، وحين يتمّ إنصاف الأساتذة من خلال رواتب تؤمّن لهم حياة كريمة، سنرى حينها كيف ترتفع أعداد الأساتذة المسيحيّين بشكل تلقائي».

 

لِملفّ أكاديمي لا سياسي…

 

من ناحيته، يقول رئيس المكتب التربوي المركزي في «حركة أمل»، الدكتور علي مشيك، إن ما يقارب 1000 أستاذ تقاعدوا، بين 2014 و2024، ما استدعى طلب متعاقدين بدلاً منهم. «لكنّ التعاقد لم يَعُد يسدّ جوع الأستاذ، لا بل أصبح الأخير يدفع من جيبه الخاص للجامعة. هذا إضافة إلى حاجة الجامعة لمتخصّصين لتطوير البحوث العلمية حفاظاً على سمعتها ومرتبتها العالمية. من هنا ضرورة التفرّغ لتأمين حياة تليق بالأستاذ وعائلته وتساهم في تثبيت شعوره بالانتماء إلى الجامعة».

مشيك أكّد عدم الاطّلاع على الأسماء، ولفت إلى أن الملفّ إما يكون أكاديمياً يرتكز على المعايير والحاجات، أو يراعي مصلحة الجامعة من خلال مسار يسمح بتمريره في مجلس الوزراء. «نتعهّد بعدم التدخّل في حال قرّر رئيس الجامعة المضي بالمقاربة الأكاديمية، شرط عدم تدخّل باقي الأحزاب أيضاً. وعندها لا مشكلة لدينا حتى لو كان جميع المتفرّغين من مذهب واحد. أمّا أن يصبح الملفّ سياسياً فلا مصلحة لأحد بذلك».

 

… ولتسهيل دخول الأساتذة المسيحيّين

 

على ضفّة «الكتائب»، أسف رئيس المجلس التربوي في الحزب، الدكتور شليطا بو طانيوس، عبر «نداء الوطن» للطريقة التي «طُبخ» بها الملفّ وكأن هناك محاولة للقيام بـ»تمريقة» ما. «تهمّنا الكفاءة بالدرجة الأولى ولن نقبل أن تؤخذ الجامعة إلى نفس المكان الذي يحاولون أخذ البلد إليه. وهنا نتكلم عن الأحزاب وليس الطوائف. فالغبن لم يطل فقط الأساتذة المسيحيّين وإنما السنّة والدروز أيضاً لمصلحة طائفة واحدة».

هل كافة الأساتذة المطروحة أسماؤهم أصحاب كفاءة؟ وهل تعكس الأرقام المسرَّبة الحاجات الفعلية للجامعة وتتناسب مع أعداد طلابها، أم أنها تراعي المحسوبيات؟ أسئلة وضعها بو طانيوس على طاولة النقاش مضيئاً على الصعوبة التي تواجه الأساتذة المسيحيّين للدخول إلى الجامعة نظراً لتحكُّم فئة معيّنة بمفاصلها. «إن كنتم حريصين فعلاً على التوازن الطائفي، هل لكم تسهيل دخول الدكاترة المسيحيّين ومنحهم فرص التعليم التي تُعطى لغيرهم دون أن ندري كيف ولماذا؟».

 

سريّة الملفّ ومغالطاته

 

من ناحيته، أشار مصدر مقرّب من تيّار «المستقبل» إلى أنه لم يجرِ التعاطي مع الملفّ بشكل صحيح منذ البداية. «لسنا ضدّ التفرّغ ولا نريد أن يفهمنا البعض وكأننا نريد «تطيير» الملفّ، لكنه بصيغته الحالية أسوأ من القرار 1520. يجب وضع معيار واحد يعطي كلّ الأساتذة حقّهم تحت سقف القانون. وهل لنا أن نسأل كيف يحقّ لأحد مستشاري رئيس الجامعة تسريب الأعداد بحسب توزيعها الطائفي إلى الإعلام، في حين يُعتبر اطّلاع الأحزاب على الملفّ تدخّلاً في أمور الجامعة؟».

 

المصدر دعا إلى مزيد من الشفافية وإلى توزيع المعلومات دون استنسابية مطالباً بالتصريح عن أسماء الـ1050 متقاعداً الذين كَثُر الحديث عنهم، مؤكّداً استحالة أن يتجاوز عددهم الـ750. «أخطر ما في الأمر هو التمسّك بمبدأ «الحاجات» والذي لا يختلف عن مفهوم «المحسوبيات». أما تبرير التضخم في الساعات بحجة أن الجامعة اضطرّت للتعاقد مع أساتذة جدد بسبب تراجُع ساعات تعليم الأستاذ بعد تفرّغه، فهذا غير دقيق ويتناقض مع القرار الذي يؤكّد أن الأستاذ المتفرّغ يحافظ على ساعات تعليمه كما هي».

 

الحفاظ على دور الجامعة الوطني

 

«إن مقاربة ملفّ التفرّغ ومقاربة الجامعة ككلّ يجب أن ترتبط بالحفاظ على مستوى الجامعة وأولوياتها». كلامٌ لنائب رئيس التيار الوطني الحرّ للشؤون الإدارية، غسان الخوري، في اتصال مع «نداء الوطن». فقد شدّد على ضرورة أن يرتكز الملفّ على أسُس أكاديمية علمية بعيداً عن أي توازن وهمي أو صوَري وعن أي أسماء لا يجب أن تتضمنها اللوائح. «نريد باختصار وحدة معايير من أجل الحفاظ على الدور الوطني الذي تمثّله الجامعة عبر تحديد أسماء مستحقّين داخل اللوائح».

مطالب «التيار» واضحة: رفض أسماء وهمية أو أخرى خارج لبنان بعد أن أصبح مؤكّداً عدم التحاقهم مجدّداً بالجامعة؛ إعطاء الأفضلية بحسب فترة التعاقد؛ والابتعاد عن ظلم أي مستحقّ وإفادة غير المستحقّين بغضّ النظر عن الانتماءات الطائفية. «مشكلة الجامعة تشبه مشكلة البلد. فالحياة في لبنان يلزمها الكثير من الانتظام وعلى كافة المستويات. لذا لا يمكننا أن نحمّل الجامعة تبعات اللاانتظام السائد، لكن يجب فعْل المستحيل كي يحصل المستحقّون على حقوقهم دون التسبّب بأي ضرر كان».

فليُرفَع كما هو

 

في وقت أبدت مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي لـ«نداء الوطن» تأييد تفريغ كافة المتعاقدين في الجامعة، وليس فقط المدرجين في الملفّ المرفوع، كيف تقيّم مصادر «حزب الله» سَير الأخير؟ المصادر أشارت إلى أنه، وبعد الإضراب الذي هدّد به المتعاقدون بداية تشرين الثاني الماضي، قام رئيس الجامعة بتسليم ملفّ التفرّغ بشكل سريع وغير مدروس ورماه في ملعب وزير التربية. وكان الملفّ يتضمّن اسم الأستاذ والكلية التي يدرّس فيها دون أن يلحظ الفروع والاختصاصات ولا حتى مدّة التعاقد والتوزيع الطائفي والمذهبي.

المصادر نفسها ذكّرت بموافقة البطريرك الراعي على توزيع طائفي يتراوح بين 60% للمسلمين و40% للمسيحيّين. وتساءلت ما إذا كان بالإمكان أساساً إيجاد 800 اسم مسيحي لضمّهم إلى الملفّ بعد أن انتقل معظمهم خارج لبنان. فما الحلّ إذاً؟ «الملفّ بدّو يمشي. فليَرفعه وزير التربية كما هو إلى مجلس الوزراء حتى لو تضمّن 3 آلاف اسم، طبقاً للمعايير وعدد الساعات التعليمية والأقدمية وبغضّ النظر عن الاعتبارات الطائفية. وهنا نسأل: إذا طلب الرئيس بري أو ميقاتي من رئيس الجامعة تمرير أسماء معيّنة، فهل يمكنه أن يرفض؟ جميعها أسئلة تحتاج إلى إجابات واضحة».

المعضلة المالية…

 

الشق المالي للملفّ يزيد الأمور تعقيداً، لا سيّما وأنه لم يتمّ رصد أي بند مخصّص له ضمن موازنة 2024. مصادر مالية مطّلعة تساءلت عبر «نداء الوطن» إن كان بإمكان الجامعة تأمين سبعة رواتب وبدل إنتاجية وبدلات نقل وتحسين تغطية صندوق التعاضد للمتفرّغين الجدد، وهي التي تعاني أساساً من عجز حادّ في موازنتها. «لسنا ضدّ ملفّ التفرّغ شرط أن يؤمَّن التمويل الكافي له. فالملفّ قُدّم ناقصاً بينما كان يجب أن يُرفق بدراسة مالية بدلاً من أن يتّسم بالشعبوية هادفاً إلى توظيفات سياسية».

المصادر تعيدنا إلى العام 2011، حين أصرّ الرئيس السابق لرابطة الأساتذة المتفرّغين في الجامعة، الراحل الدكتور شربل كفوري، على العمل على سلسلة الرتب والرواتب من أجل تحسين رواتب المتعاقدين، قبل طرح ملفّ التفرّغ في العام 2014، ما مكّنه من استقطاب جميع أساتذة الجامعة من كافة الطوائف والكفاءات. فهل يُعقل أن يترك الأستاذ المسيحي وظيفة في فرنسا، مثلاً، ويأتي ليتفرّغ في «اللبنانية» مقابل 400 دولار شهرياً؟ سؤال للمصدر زاد عليه أن ملفّ التفرّغ لن يُحلّ مشاكل الجامعة، والتي ليس أقلّها حاجتها إلى بنى تحتية وأكاديمية وخطة للنهوض. فالبحث يجب أن يتركّز على الإنتاجية وليس زيادة المصاريف والأعباء.

قلق شديد

 

بين شدّ حبال الطائفية والزبائنية والمحسوبية وكثرة العوائق المالية، يأسف بعض المتابعين لغياب الإدارة الفعّالة في الجامعة في ظل التوزيعات الطائفية والحزبية. «ليس سرّاً أن الفرع الأول، مثلاً، أصبح أشبه بجزء مستقلّ عن الجامعة، حيث تحوّلت المعايير إلى الانتماء الحزبي والولاء إلى «الثنائي» بدلاً من مراعاة الكفاءة والتوازن بين الطوائف الأخرى. فأن نقبل بالأمر الواقع، أي إغراق الجامعة بمحسوبيات حزبية، هو ظلم للجامعة وضرب لها ولشهاداتها».

 

أما شطب أسماء جميع الذين دخلوا إلى الجامعة خلافاً للأصول وإعادة امتحانات شفّافة تحت إشراف مجلس الخدمة المدنية لدخول وملء ملاك الجامعة، فشرطان يتصدّران قائمة المطالب. «لا شيء يطمئن في هذا الملفّ أسوة بالملفّات الأخرى. المقلق فعلاً هو ما يجري من تحويلها الى دكتاتورية طائفية معيّنة تخضع لسيطرة الأحزاب السياسية وتُجبر الجميع على الخضوع لهذا المعيار».

 

«نأمل أن تكون التجاذبات السياسية فسحة حوار ولقاء بين كافة المكوّنات. فليُعطِ كلّ حزب أفضل ما لديه من مكوّنات اجتماعية وفكرية للنهوض بأفضل ما لدينا. إذا راحت الجامعة… راح البلد». تعليقٌ للمسؤول السابق لقطاع الجامعة اللبنانية في تيار «المردة»، البروفيسور سايد أنطون. ويختم بأن الملفّ يجب أن يصبّ في خدمة الجامعة، تلك الجوهرة الوطنية التي تجمع جميع الأطياف على مقاعد الدراسة. حلمٌ جميعنا نتمنّاه. لكن لِنَنتظِر ونَرَ.