يكفي أن يدخل تصنيف الجامعات الى الدول العربية وفق معايير مختلفة، من مؤسسات دولية معروفة، ليعكس تطوراً شهدته هذه الجامعات على أكثر من صعيد، خصوصاً في المجال الأكاديمي. ولأن التصنيف يأخذ في الاعتبار معايير متعددة، تحددها المؤسسات المتخصصة، فإنه يحفز الجامعات على تحديث برامجها وتعزيز بحوثها وتطوير آليات عملها الأكاديمي، في إطار التنافس بين مؤسسات التعليم العالي، وهو يضعها أمام مسؤولياتها في التعليم الجامعي واستقطاب الكفاءات التعليمية واختيار أعضاء هيئات التدريس، الى الاختصاصات التي تفتح الطريق الى سوق العمل، فضلاً عن اللغات والتعدد الثقافي. لكن، هل وضعت التصنيفات الجامعات العربية على مستوى عالمي؟ وما الذي تغير في بنيتها؟
سيقال ان ما سمي اصطلاحاً الربيع العربي انعكس على وضع الجامعات في الدول العربية. وسيقال أيضاً ان مرحلة من الديموقراطية افتتحت في مؤسسات التعليم العربية، وهي التي دفعتها الى تطوير برامجها التعليمية الجامعية، فيما الواقع يشير الى أن “الربيع” لم يؤثر فعلاً في مسار عمل الجامعات، ولا في دور الطلاب، باستثناءات محدودة. لكن يمكن القول أن جامعات عربية عدة، توافرت لها إمكانات مالية، وتمكنت من النهوض أكاديمياً، فجاءت تصنيفاتها وفق المعايير المتبعة من المؤسسات الدولية مطابقة للشروط العالمية، بالرغم من أن بعض الجامعات العربية الكبرى المصنفة في المراتب العشر الأولى، لديها إمكانات كبرى ومنشآت ضخمة، انما أعداد طلابها متواضعة مقارنة بإمكاناتها، فضلاً عن انها مدعومة من دولها. على أن معظم الجامعات الحكومية في الدول العربية تخضع للسلطات الأعلى، من التعيينات الى التمويل وآلياته. حصل تغيير، في بنية بعض الجامعات، لكنه لم يشكل تحولاً في تركيبتها وفي الوصاية عليها وفي إخضاعها لموجبات السياسات التي تضعها الحكومات.
كان ينظر الى الجامعات في العالم العربي، او على الاقل في الدول التي تحتضن جامعات مهمة، والتي كانت مرشحة لتلقي التغيير، أنها ستكون شرارة الربيع وحاضنة شبابه، ومطلقة الافكار الجديدة المتنورة. لكن التغيير في جامعات نحو 16 دولة عربية، من بينها لبنان، لم يسمح بإعطاء الجامعات استقلاليتها، أو تحولها الى جامعات أكاديمية ديموقراطية، باستثناء ما حصل في بعض الجامعات في دول عربية.
واذا كان لبنان، بجامعته الوطنية الوحيدة متقدماً على كل الدول العربية في الهامش الاستقلالي لجامعته، الا ان رياح التغيير لم تعصف إيجاباً ببنيتها، بينما شهدنا تغييراً جدياً ومهماً في جامعات عربية، في مصر وتونس والأردن، وايضاً في السعودية، انما بآلية مختلفة. في حين تثبّت جامعات المغرب أقدامها في حد مقبول من الاستقلالية.
هناك تغيير يؤسس لمرحلة جديدة في الجامعات الحكومية العربية. لكنه لا يلغي المرجعية السياسية وسلطة الوصاية. لكن تبلورت أجندات للتعليم العالي فتحت آفاقاً أكاديمية جديدة في البحث العلمي والاجتماعي والانساني والفلسفي والأدبي، الى تنويع الموارد المالية، فيما جامعات لبنان تغالب وتراوح مكانها.