في أشهر الإستقرار، كان يهجس طلاب الجامعات الخاصة وأهلهم بالقسط الآتي مطلع كل فصل وكيفية تسديده، سواء بالدولار أو بالعملة الوطنية، واليوم تحوّل الهاجس إلى قلق مخيف، كيف لا وليس من يطمئنهم إلى أن سداد الأقساط سيظل سارياً باحتساب الدولار الجامعي على الـ 1515 أو الـ 1520، وثمة مؤشرات إلى أن الفصل الثاني لن يكون كالفصول السابقة؟ فهل سترفع الجامعات سعر دولارها وبعضها حصل على دعم فرنسي وأميركي؟ أو يبقى القديم على قدمه بانتظار غودو؟
“يزيدولنا معاشاتنا، مندفعلن” بهذه الجملة تُعبّر هدى عن موضوع امكانية زيادة الاقساط الجامعية (بالعملة الوطنية)… هي موظفة في إحدى الشركات، وزوجها متقاعد حديثاً من شركة الكهرباء… ابنها طالب سنة ثالثة في احدى الجامعات الخاصة، بدأ فصله الدراسي بعدما استدان أهله لتسديد جزء من قسطه. عائلة هدى، كغيرها من العائلات “المتوسطة” في لبنان، تدهورت حالتها في ظل الازمة الحالية. همها الاساسي حصول ابنها “جورج” على شهادته كي ترتاح، الّا أنّ حلم العائلة دونه عقبات، تقول الام بغصة “لن اتمكن من تسديد اي زيادة، ولن يكون امامي حلّ، سوى إيقاف تعليمه حتّى اشعار آخر…وهذا الهم يأكلني…”، تمسك دموعها وتكمل “خير، على الله”.
الحال ليست أفضل بالنسبة للطلاب العاملين، الذين بالكاد يكفيهم راتبهم المتواضع لتأمين حاجاتهم الاساسية أمام عدم امكانية اهلهم مساعدتهم، ولا خيار امامهم سوى الخروج من كنف جامعاتهم الخاصة والتوقف عن التعلم، ولا سيما أمام محدودية المقاعد في الجامعة اللبنانية، وعدم قدرتها على استقبال جميع الوافدين اليها في بعض الاختصاصات، ناهيك عن صعوبة اختبارات القبول التي لا يتمكن جميع الطلاب من اجتيازها، بالاضافة الى الاضطرابات والاعتصامات التي تتعلق بالشؤون الطلابية والاوضاع السياسية العامة. من جهة أخرى، فرض تفشي جائحة كورونا ضائقة مالية على أهالي الطلاب، وحال دون تمكن استمرار التعليم في القاعات الجامعية، ما دفع غالبية الطلاب الى المطالبة بتخفيف اقساطهم الجامعية، بما أنّ التعليم عن بعد اقل كلفة من التعليم المباشر في الصفوف، بسبب غياب التكاليف المتعلّقة بالصيانة، المياه، والكهرباء وغيرها… الّا أنّ حساب حقل الطلاب لا ينطبق على حساب بيدر الجامعات، التي تعتبر أنّها تتكبد مصاريف عالية يستوجب دفعها بالعملة الصعبة، للحفاظ على مستواها، في وقت ما زال طلابها يسددون الاقساط على سعر صرف 1515، ما يهدد امكانية استمرارها بالمستوى نفسه.
الجامعة اللبنانية الأميركية تدرس إمكانية رفع الأقساط
وكانت الجامعة الأميركية في بيروت “AUB” قد اتخذت قراراً بزيادة الاقساط لهذا العام بنسبة 7 في المئة، أمّا سائر الجامعات الخاصة، فاتفقت على ردٍ واحد على سؤال “هل سترفعون الاقساط في الفصل الثاني من السنة؟” الا وهو “نحن من الجامعات الوحيدة أو القليلة، التي لم ترفع اقساطها بعد”. فهل هذه الـ “بعد” تشي باحتمال الزيادات؟
الـ”USJ” تراجعت عن قرارها حتّى اشعار آخر
نبدأ من جامعة القديس يوسف “USJ”، التي سبق أن أوضح رئيسها الاب سليم دكاش قبيل نهاية السنة السابقة، عن امكانية تعديل أقساط الجامعة، لأنّ الوضع مأسوي على الجميع، وارتداداته كبيرة على الجامعة بسبب مشكلة سعر صرف الدولار. على الاثر، تلقى طلاب اليسوعية بريداً الكترونياً من ادارة الجامعة في شهر تموز المنصرم، أبلغتهم فيه امكانية تعديل نظام تسديد الاقساط للعام الجامعي 2020-2021، من دون المس بالقسط الاول الذي سيسدد على قيمة صرف 1515، ما أثار امتعاض الطلاب ورفضهم لهذا القرار. وفي هذا الصدد، أوضحت مصادر رسمية للجامعة أنّ “الكثير من التغيرات طرأت على هذا العرض، ولاتخاذ هكذا قرار، نحن بحاجة الى اجتماع مجلس الجامعة… ولكن حتّى الساعة لا مستجدات في هذا الموضوع، وفي حال تطور الاحداث ستعلن لجنة الجامعة عن قرارها في الوقت المناسب”.
في المقابل، تشير المعلومات الى عجز مالي كبير تعاني منه الجامعة اليسوعية، وعلى الرغم من ذلك يستفيد نحو 40 في المئة من الطلاب من المنح الجامعية، بحسب المصادر التي لفتت الى أنه “لطالما قسمنا الاقساط الى جزأين: بالدولار و”اللبناني”. ويمكن تسديدها بالطريقة التي يريدها الطلاب او اهلهم في المصرف، اي بواسطة التحويلات المالية أو الشيكات المصرفية أو نقداً. وكان الأب دكاش قد طالب المصارف التي تتعامل معها الجامعة، بقبول تسديد الجزء “المسعر” بالدولار على قيمة سعر صرف 1515… وهكذا صار بالنسبة للفصل الاول من السنة”. ورأى المصدر أنّ “وضع الطلاب صعب، والتعليم بخطر، والجامعة لم تصرف موظفيها ولم تخفض رواتبهم حتّى في فترة التعبئة العامة والاغلاق التام للمؤسسات، ولكن في المقابل، على الجامعة الكثير من المسؤوليات أبرزها ضمان تعويضات الاساتذةوالموظفين، وقيمة الاستثمارات من أجل المحافظة على مستوى تعليم عالٍ”.
الـ”USEK”: لا زيادة اقساط أو رواتب حتّى الساعة
تعتمد جامعة الروح القدس- الكسليك “USEK” على مفهوم التضامن للوصول إلى الهدف المرجو ولتخطي العقبات التي تواجهها، وبحسب ادارتها إنّ التضامن هو المفتاح الأساس للبقاء إضافةً إلى وحدة الجامعة بشتّى مكوّناتها، من إدارة وأساتذة وموظفين وطلاب وأولياء أمور وأصدقاء الجامعة. فكيف سدد الطلاب اقساطهم مع بداية الفصل الجديد من السنة؟ يقول نائب رئيس جامعة الروح القدس – الكسليك للشؤون الاكاديمية الدكتور بربر الزغندي إنه “على الرغم من الأزمة المالية السائدة والتي أثّرت كثيراً على الاقتصاد اللبناني والظروف الراهنة وكل ما يرافقها من أوضاع صعبة وغير مستقرة، تمكّنت الجامعة من المحافظة على الأسعار ذاتها من دون أن تلجأ إلى فرض أي زيادة على الأقساط. وكان أمام طلابها خياران لسداد أقساطهم، إمّا بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأميركي بحسب سعر الصرف الرسمي أي 1515. وتجدر الإشارة إلى أنّه خلال الفصل الدراسي لربيع 2020، عمدت الجامعة إلى دعم الطلاب عبر تقسيط الرسوم الجامعية على أربع دفعات”.
ورداً على السؤال الذي يقلق الطلاب وذويهم، حول امكانية رفع الاقساط، يجيب د. الزغندي: “حتّى الآن، لا يوجد قرار يقضي بتغيير الأقساط الحالية ولا رواتب الأساتذة خلال السنة الأكاديمية المقبلة. وفي هذا السياق، إن المنح التعليمية والمساعدات والتسهيلات المالية التي تقدمها الجامعة تدعم صمود طلابها. ونحن على يقين بأنّ الجامعة نجحت في تحقيق رسالتها، لا سيما وأنّ عدد الطلاب المسجلين لم ينخفض كثيراً، وذلك بفضل الفرص والتسهيلات التي تقدمها الجامعة بغية تلبية احتياجات الطلاب ومساعدتهم على متابعة مسيرتهم الأكاديمية”.
في الـ”LAU”… خلية الأزمة متأهبة لاتخاذ قرارها
ننتقل الى الجامعة اللبنانية الأميركية “LAU”، حيث يجتمع اعضاء خلية الأزمة في الجامعة يومياً، لمراقبة الوضع من النواحي كافة، ان كان من ناحية الكورونا ومصاريف الجامعة، وسعر صرف الدولار في المصارف والسوق الموازية وموقف مصرف لبنان… كل هذه المعطيات ستستمر الخلية بتحليلها الى حين اتخاذ القرار.
مصدر مسؤول في الجامعة أوضح أنّ “الوضع سيستمر على حاله، بانتظار انتهاء الفصل الاول من السنة، وما يتبعه من تطورات محتملة على صعيد البلد ككل”. وفي التفاصيل أشار المصدر الى أنّ “الطلاب سددوا قسط الفصل الاول على سعر صرف 1515، وليس هذا فحسب، بل رفعنا قيمة المساعدات المالية لتصبح 50 مليون دولار تقريباً، وسيستفيد منها نحو 70 في المئة من الطلاب”. وأكدّ أنّ “الجامعة يهمها مصلحة طلابها، ولكنها تحرص في المقابل على المحافظة على توازنها المالي، لتتمكن من الاستمرار. مع الاشارة الى أنّ الجامعة تستعد لافتتاح مستشفى جديد تابع لها “مستشفى سان جون” في جونيه في شهر كانون الثاني 2021، وبالتالي المصاريف ضخمة، ناهيك عن عدد الموظفين المرتفع، والتي لم تعمد الجامعة الى صرف اي منهم، بل عمدت الى دفع جزء من رواتبهم على شكل “Fresh money” بالدولار”.
أمام ضبابية الاجابات، نلمس ان هناك نية مستترة لدى الجامعات بزيادة الاقساط تحت حجة ضمان استمراريتها، في وقت يعاني فيه اللبنانيون من البطالة وتراجع قدراتهم المالية. ويبقى السؤال البديهي “هل سنكون أمام جيل من الأميين، أو ستتحرك الدولة والوزارات المعنية لابتكار الحلول المناسبة لهذه المعضلة؟