Site icon IMLebanon

المجهول  

 

فتح الجيش الطرقات التي كانت مُقفلة وكان معظمها من دون قرار من التظاهرات الشعبية التي هي «حراك» عند البعض و»انتفاضة» عند البعض الآخر، و«ثورة» عند البعض الثالث.

 

المهم أنّ هذه العملية جاءت بأقل الأضرار، بل ربّـما من دون أضرار لافتة، فبعد ممانعات غير جدّية، أُسقط في أيدي منظمي قطع الطرقات بعد التذمر الشعبي الهائل من الناس الذين سُجنوا في سياراتهم بالآلاف، وقد امتدت الأرتال كيلومترات في بعض المناطق، مثل  المشهد الذي نقلته كاميرات التلفزة من جل الديب وسواها بحيث أنّ أقلّ احتجاز تجاوز الساعة والنصف.

 

لا شك في أن قطع الطرقات سلاح فعّال، على قاعدة أن شلّ الحركة سيؤدي الى إرتفاع صيحات الغضب التي ستوجه الى السلطة.

 

صحيح أن الناس غير مغرومين بهذه السلطة، ولكنهم أيضاً لا يكيلون قصائد المدح والغزل لمن يقفون في وجه سعيهم الى لقمة العيش والمستشفى والمدرسة والمؤسسات التجارية الخ…

 

المهم أنّ الطرقات فتحت ولكنّ  المراهنين على فتحها لإنهاء الانتفاضة هم واهمون. فالناس التي انطلقت  بعفوية لا شكّ فيها ستجد عشرات البدائل للضغط. وفي طليعتها محاصرة المقار الرسمية كما حدث فعلاً في طرابلس نسبياً. وأيضاً الاعتصام حول الدور والقصور للطبقة السياسية وصولاً الى ما بدأ كثيرون ينادون به من اللجوء الى آخر الدواء… وهو العصيان المدني الذي أخذ بوادره تظـهر على الأقل في خطاب الحراك.

 

إنّ الخلاف على تشكيل الحكومة بين أهل السلطة وأطراف التسوية، التي تُبذَل مساعٍ حثيثة لإحيائها، هذا الخلاف لن يوصل الى إنتاج الحكومة العتيدة التي بات الأمل ضئيلاً  في استيلادها بسرعة. فلكل من القصر الجمهوري وبيت الوسط وحارة حريك والمواقع الأخرى الفاعلة سلسلة مطالب  متشابكة الخيوط بحيث يتعذر فكّها. صحيح أنّ الدستور يقول بتقديم إجراء الاستشارات النيابية (في القصر الجمهوري ثم في مجلس النواب) على التأليف، ولكن التشاور بين أهل الحل والربط سبق دائماً عملية التكليف،  وهذه من حيث المبدأ آلية معروفة ومعتمدة في مختلف بلدان العالم إلاّ حيث نظام الحكم ملكي مطلق أو رئاسي مطلق. ولكن التشاور (الذي من شأنه أن يذلّل عقبات يُخشى أن تصطدم بها عملية التأليف) يجب ألاّ يطول في هذه المرحلة بالغة الدقة والخطورة.

 

نقول هذا من دون أن يفوتنا، للحظة واحدة، أنّ شكل الحكومة  الآتية سيترتب عليه تحديد مصير ومستقبل الكثيرين من الأطراف. إذ في الوقت الذي أدت الانتفاضة الى توجيه ضربات موجعة للكثيرين (بنسبٍ متفاوتة) فإنّ أكثر من يتمسك بالتمثل في الحكومة هو حزب الله الذي ليس ساعياً الى المنصب الوزاري بقدر ما سيشكل وجوده داخل السلطة التنفيذية أحد خطوط الدفاع الأمامية عنه. وهذا أمرٌ مفروغٌ منه لا يحتاج الى طويل شرح.

 

كانت ورقة الإصلاحات، ثم كانت استقالة الحكومة…

 

وغداً الذي هو لناظره قريب ستشكل الحكومة، ولكنّ المطالب سيرتفع منسوبها. وهذا ما ينذر بالغموض المخيف.