إستخدمت روسيا والصين حقّ النقض الفيتو ضدّ قرار مجلس الأمن الدولي الصادر في 28-2-2017، والذي أيّدته القوى الغربية، ويتضمّن فرض عقوبات على سوريا، بتهمة اللجوء إلى السلاح الكيماوي.
أتى النقض الروسي والصيني نتيجة تقاطع مصالحهما مع ضرورة بقاء النظام السوري في المنطقة.
وتزامن اندلاع الثورة السورية، مع تحوّل الاهتمام الأميركي، من الشرق الأوسط إلى المحيط الهادئ. الأمر الذي سبّب فراغاً في إدارة المنطقة، ما دفع بالروسي للعودة كلاعب إقليمي من البوابة السورية من جهة.
ووجدت الصين نفسها، قادرة على تقويض النفوذ الأميركي المتعاظم في مياهها الإقليمية من خلال الإلتفاف على التهديد الأميركي إنطلاقاً من سورية. فأصبح لروسيا كما للصين، في إقامة حلف متين يؤرق المشروع الأميركي في الشرق.
إنّ الإنسجام الروسي – الصيني في شأن سوريا يعود إلى عمق المصالح الإستراتيجية بين البلدين. هذا ما فشلت في تحقيقه الأيديولوجية الشيوعية، التي شكّلت العقيدة السياسية لنظام الإتحاد السوفياتي سابقاً، والنظام الصيني بقيادة الزعيم ماو تسي تونغ، من توحيد البلدين على بناء مصالح مشتركة.
لقد عرف البلدان الكثير من المشكلات ذات الطابع الجيوبوليتيك، منها النزاع الحدودي بين البلدين، وهو نزاع تاريخي، مسرحه نهر حوض الأمور الفاصل بينهما. فمجرى النهر، يشكّل الحدّ الجغرافي بين الدولتين، بطول يصل إلى 4400 كلم.
غير أنّ النهر يقع في إقليم جغرافي له نسق مورفولوجي – مناخي، يشهد فياضانات على علاقة بالأمطار الموسمية في الجزء الشمالي الشرقي من آسيا، ما يدفعه إلى تغيير في مجراه بين الحين والآخر. فيدفع الدولتين، إلى خلاف على هوية الأراضي من جهتي النهر إلى البحث فيهما.
إستطاعت الجغرافيا السورية، ومرونة نظامها، من الجمع بين مصالح روسيا والصين. من خلال:
• العلاقة التاريخية، التي أدّتها سوريا بالنسبة إلى روسيا والصين. فالقيصرية الروسية، تاريخياً اعتمدت سوريا بوابة لوجودها العسكري والسياسي في المنطقة. أمّا الإمبراطورية الصينية، فانطلق خطّها الإقتصادي تاريخياً، من سوريا التي ربطتها بالشرق، عبر ما عُرف بـ»طريق الحرير».
• الموقع الجغرافي لسوريا في الشرق، الذي عرف بأهمية كبيرة لأنّه شكّل مركز النفوذ الروسي، وموطئ قدم لقواتها في المنطقة. كذلك أعطى للصين إلتفافة الى الولايات المتحدة، المقلقة لها في الشواطئ الصينية، من خلال تعريض مياهها الإقليمية للخطر.
إنّ النظام العالمي الأحادي، بقيادة الولايات المتحدة، أوجد مصالح مشتركة بين الصين وروسيا الإتحادية، في منطقة الشرق الأوسط، تحديداً في سوريا. بات لهما مصير مشترك لا يمكن فصله، طالما لم تزل السياسة الأميركية، تمارس تهديداً مباشراً لهما، في دعمها لقوات عسكرية في سوريا، تتعارض أهدافها مع رسم البلدين لمصير النزاع في سوريا.
يعتقد المحلّلون، أنّ عام 2014، كان إيذاناً ببدء عصر جديد في السياسة الجغرافية، على غرار الحرب الباردة. فقد ردّت أوروبا والولايات المتحدة، على غزوة روسيا لأوكرانيا وضمّ شبه جزيرة القرم، بعقوبات اقتصادية ثقيلة، الأمر الذي أضعف علاقات روسيا مع الغرب وجعل من «الكرملين» حريصاً على تعزيز العلاقات مع الصين.
أخيراً، تتجه العلاقة بين البلدين، إلى المزيد من الإنسجام، في ظلّ التصاريح التي يطلقها الرئيس الأميركي دولاند ترامب حول سوريا، بما يتعارض ومصالحهما. الأمر الذي سيزيد من التماسك الروسي – الصيني، ما يفتح في المجال للمزيد من الدعم الصيني لحليفها الروسي.
لكنّ هذا الدعم، لا يمكنه أنّ يكون من دون شروط، إنّ استعداد الصين للتعاون مع روسيا ليس بلا حدود. ذلك إنّ استراتيجية التنمية في الصين تعتمد على اندماجها المتواصل في الاقتصاد العالمي، وعلى وجه التحديد قدرتها على الوصول إلى الأسواق التكنولوجية الأميركية.