استمرار تردي العلاقة بين تركيا رجب طيب أردوغان و”حزب العدالة والتنمية الإسلامي” الحاكم ومصر المشير عبد الفتاح السيسي يُقلق الإدارة الأميركية كثيراً، يقول متابعون في واشنطن، ومنها تطوُّر الأوضاع في الشرق الأوسط، ويضعها في موقف حرج. فهي من جهة اختلفت مع السيسي منذ الثورة الثانية في 30 يونيو 2013 التي أطاحت الرئيس محمد مُرسي و”جماعة الإخوان المسلمين” التي ينتمي إليها لاقتناعها في حينه بأن ما حصل كان إنقلاباً شارك فيه الجيش برجُلِه القوي السيسي. وما أعقبه من حملات أمنية وقضائية على المنتمين إليها كان مبالغاً فيه بحيث ظهر وفي وضوح أن انتهاكات للقانون تحصل يومياً، وأن الخوف من عودة حكم عسكري إلى مصر موجود. لكنها في الوقت نفسه لم تشأ أن تفرط في علاقة التحالف القائمة بين أميركا ومصر منذ التحوُّل التاريخي في السياسة الخارجية، والإصطفاف الدولي الذي أقدم عليه الرئيس الراحل أنور السادات في النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي. ودافعها إلى المحافظة على التحالف هو السلام القائم بين مصر وإسرائيل، وحاجتها إلى مصر في الحرب الاقليمية – الدولية على الإرهاب الإسلامي البالغ التطرُّف والمُمارِس العنف والتكفير في آن واحد، وخوفها في الوقت نفسه من وقوع هذه الدولة العربية المسلمة بغالبية مواطنيها في براثن الإرهاب والتنظيمات التي تمارسه وتدعو إليه. وهي (أي الإدارة الأميركية) من جهة اخرى تحالفت مع “حزب العدالة والتنمية” الحاكم تركيا منذ نحو 12 سنة بعدما راهنت على أن إسلاميته الحديثة والمعتدلة قادرة على احتواء، أو بالأحرى على استقطاب التيارات والحركات الإسلامية التي بدأت تنتشر في العالمين العربي والإسلامي وعلى التعاون معها لتجنيب دولهما التطرُّف والإرهاب. ومن أسباب الخلاف اكتشاف “الإدارة” في واشنطن أن رهانها لم يكن في محله ليس لأن اسلامية “العدالة والتنمية” التركي وزعيمه أردوغان تكفيرية وعنفية بل لأنها عجزت عن احتواء الإسلامية الأصولية المتطرِّفة العربية التي راحت تعمل على هواها في سوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا وغيرها من الدول، وفي الوقت نفسه لأنها تعاملت مع بعض التيارات الإسلامية هذه وخصوصاً في سوريا إذ مَدَّتها بالأسلحة ودرَّبتها وأمّنت دخولها إلى الأراضي السورية. ومن أسباب الخلاف أيضاً تمسُّك أردوغان بمواقفه الجذرية من الأوضاع في سوريا والقائمة على ضرورة القضاء على نظام الأسد وإقامة منطقة حظر طيران جوي أو أكثر داخل سوريا، والإستعداد لتدخُّل عسكري برِّي في حال استدعت الضرورات ذلك. ومن أسبابه ثالثاً “الخطوات” غير الديموقراطية التي يتخذها أردوغان في بلاده سواء تجاه الإعلام والحريات عموماً، أو تجاه مناصري فتح الله غولن المقيم في أميركا وصاحب المشروعات التربوية الكثيرة (عددها بالمئات وربما يصل إلى 1600) داخل تركيا وخارجها، والإسلامي المعتدل وحليف أردوغان سابقاً. طبعاً لم يؤدِ ذلك ولن يؤدي إلى طلاق بين تركيا “العدالة والتنمية” وأميركا لأن ما يجمعهما كثير. فهما عضوان في حلف شمال الأطلسي. وتركيا معترفة بإسرائيل ولا تزال تتعاون معها مخابراتياً وفي قضايا أخرى رغم الموقف السياسي الأردوغاني المؤيد للقضية الفلسطينية. وهي دولة قوية عسكرياً ومزدهرة إقتصادياً وقادرة على إقامة توازن اقليمي في الشرق الأوسط عندما ينتهي كلياً النظام الاقليمي السائد منذ نحو قرن ويبدأ صوغ نظام جديد.
كيف تعالج الإدارة الأميركية التردي بين مصر السيسي وتركيا أردوغان؟
بالصبر والتفاوض وأخذ مصالح كل منهما في الإعتبار. فهي من جهة تعرف أن مساعدة مصر في هذه المرحلة ضرورية جداً من جراء المصاعب الأمنية والإقتصادية التي تواجهها. وهي قد تجد نفسها مضطرة في مرحلة مقبلة إلى التجاوب مع “المطالب السورية” لأنقره بعد رفض طويل فرضه عليها خوفها من انعكاس التجاوب ضرراً عليها والإنعكاس سلباً على المنطقة. وقد يتم ذلك في حال فشلت المحاولة الروسية المنفردة لرعاية مفاوضات وربما تسوية بين المعارضين السوريين ثم بينهم وبين نظام الأسد، علماً أنه فشل محتمل. كما أنه قد يتم في حال استمر نظام الأسد في القصف الجوي المدمِّر للحجر والقاتل للبشر في سوريا. طبعاً لن تكون المعالجة الأميركية سهلة. فالرئيس السيسي من جهة ليس سهل الإقتناع في ظل إغراءات قد تقدمها له روسيا وفي ظل عدم اقتناع حليفته السعودية بـ”السياسة السورية” لأميركا رغم انها حليفتها. والرئيس أردوغان من جهة أخرى صار أكثر إسلامية مما كان وذلك مقلق، فضلاً عن أن رغبته في إحياء العثمانية بعد تجديدها لا يمكن إخفاؤها.