Site icon IMLebanon

فك أسر لبنان الرئاسي نتاج فصل المسارات!

تبرئة ايران من اي نشاط نووي عسكري، ترجمتها المباشرة، رفع العقوبات قبل نهاية هذا الشهر. عودة ايران الى المجتمع الدولي متحررة من كل القيود والعقوبات، مهم جداً لها ولمحيطها. لا يعني دخول ايران هذا المسار، انها خرجت عن الملاحقة والمراقبة. في مثل هذه العلاقات الدولية المعقدة، لا وجود لشجرة عيد الميلاد وعلب الهدايا. كل خطوة، تقابلها خطوة موازية لها في الوزن والنوعية والقيمة والأهمية!

لا يمكن لايران العائدة الى «المجتمع الدولي»، ان تنفذ سياسة التدخّل السلبي التي نفذتها طوال عقد كامل سواء بالوسائل او الاهداف. انخرطت ايران طوال سنوات المفاوضات التي استمرت عملياً حوالى 11 سنة، في التدخل المباشر في كل «دوائر النار» في منطقة الشرق الاوسط. أحرقت «يديها» بما بذلته من المال والرجال والعلاقات بلا حساب، لكنها في المقابل كسبت مواقع وأدواراً، جعلت منها طرفاً فاعلاً ومؤثراً لا يمكن تجاهله في الحرب والمفاوضات. الجنرال قاسم سليماني، بتواجده على الارض في سوريا والعراق ولبنان، اصبح رمزاً للسياسة الايرانية. الآن وتدريجياً، لا بد لايران ان تأخذ في الاعتبار ان حركتها ستبقى تحت المتابعة التي يمكن ان يقرع لها «جرس» التنبيه او التحذير اذا لزم الأمر.

من الطبيعي جداً، ان «دوائر النار» ليست متساوية في الحجم ولا في الاهمية ولا في الخطورة. منذ البداية، وضعت قواعد اشتباك، رغم كل المؤشرات الى كون ما يحدث يشبه انهيار «كرة الثلج» من اعلى الجبل، ولا يمكن ابقاؤها، لبنان رغم وحدة المسار والمصير التي رسمت له مع سوريا، فان حدوده لم تسقط، وبقي ارتباطه بسوريا والمنطقة محدوداً. حتى التفجيرات الإرهابية لم تتحول الى «نار» تأكل الاخضر واليابس. طبعاً عانى لبنان وما زال يعاني منذ 18 شهراً من الفراغ الرئاسي، لكن لم يمنع عنه حكومة تسيّر شؤونه الداخلية والمالية والأمنية يرأسها تمام سلام الذي اثبت يومياً انه «سلام» للبنان المحاط بالنار.

تباشير إخراج لبنان من الفراغ الرئاسي، تؤكد فصل المسارين السوري واللبناني. انتخاب رئيس للجمهورية يمنح لبنان حياة ثانية بعد ان كان يومياً «مريضاً» يكاد يعلن موته سريرياً. هذا المسار لم يكن ليتبلور لولا تفاهم دولي حصل مع طهران، نتاجه تقديمها لمبادرة حسن نية. من الطبيعي انه جرت ملاقاة مبادرتها بمبادرة اختبار حل الرئاسة لـ8 آذار ورئاسة الوزراء لـ14 آذار. السير في مسار هذا الحل لا يمكن اللعب على الخطوط الحمر. ابرز ما في هذه الخطوط الحمر، ان سليمان فرنجية وهو اكثر السياسيين التزاماً وصدقاً في علاقته بآل الأسد وتحديداً الرئيس بشار الاسد، يعرف موعد الفصل بين العلاقة الشخصية والعلاقة الرئاسية. ما يساعده في ذلك، ما بدأ يتبلور في مبادرة حسن النية الايرانية، ان علي ولايتي المستشار الاقرب الى المرشد آية الله علي خامنئي اختار وهو في بيروت ان يقول: «نحن مستعدون لاستضافته كبطل (اي الاسد) دافع عن وطنه وشعبه نحو خمس سنوات«. هذه «الاستضافة» ان حصلت ترجمتها ما قالته شخصية لا تنتمي الى 8 و14 آذار: «لقد اهتم الرئيس الراحل حافظ الاسد ورعى عائلة الجد سليمان فرنجية. الآن جاء وقت رد الدين. يستطيع سليمان فرنجية متى اصبح رئيساً للجمهورية ان يرعى الرئيس بشار الاسد وعائلته».

فك أسر لبنان الرئاسي يخرجه من «دائرة النار» ويفصل مساره عن المسار السوري، ويسحبه من «سلة» المفاوضات الطويلة والصعبة، التي ترجمتها وضع المنطقة كلها على «سكة» الحلول. في سوريا والعراق واليمن كل الاطراف اخذت قسطها من «التعب». لم يعد من الطبيعي الاستمرار في حروب لن تنتهي بمنتصر ومهزوم. «داعش» رفع منسوب الاخطار المصيرية على المنطقة والعالم. في البداية وحتى الاعتداء الإرهابي على فرنسا ضد المدنيين، تعاطى الكثيرون من القوى المنخرطة في سوريا والعراق مع «داعش»، باعتدال. واحياناً بالتعامي عن نشاطاتها، حتى اصبحت معادلة الاسد ومن معه «انا او داعش» مطروحة جدياً مع ارجحية لارهاب الاسد على ارهاب «داعش«. لكن يبدو ان قراراً قد اتخذ بالفصل بين «الارهابين» الاسدي وداعش. فيما يفتح الابواب امام حل سياسي اساسه المحافظة على «النظام» في سوريا من دون الاسد و»رجاله».

تحذير الرئيس باراك اوباما لـ»القيصر» فلاديمير بوتين من «الافغنة» في سوريا، يعني ان روسيا تقف على حافة «الافغنة» التي اهلكت الاتحاد السوفياتي. في الوقت نفسه هذه دعوة «اوبامية» الى القيصر للحوار حول سوريا خارج الاستقواء. ما يكمل هذا المسار، الكشف عن استعداد واشنطن لارسال وحدة من خيرة الكومندوس الاميركي الى العراق، وفي ذلك تنبيه لايران بأن العراق ليس ارضاً مفتوحة لها تفعل فيها ما تريد، لذلك في المفاوضات المقبلة هناك حدود للمطالب وللتقاسمات.

بدأت مرحلة التعامل مع «سلة» الملفات الشرق اوسطية، على اساس فصل المسارات تبعاً لاختلاف طبيعة كل ملف ومسار منها. الشرق الاوسط اصبح متعباً للجميع. لا يمكن لواشنطن ان تلتفت بجدية وقوة نحو المحيط الباسيفكي، والنار مشتعلة خلف «ظهرها» التاريخي.