لم يكن مُستغرباً أنْ يُقدِم الكيان الإسرائيلي على التذرُّع بمزاعم أنّ 12 مُوظّفاً يعملون مع وكالة «الأونروا» في قطاع غزّة، شاركوا في أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023!
تذرُّع المسؤولين الإسرائيليين بذلك، وإقناع الولايات المُتّحدة الأميركية و10 دول تدور في فلكهما، بالمُبادرة إلى وقف دعم وكالة «الأونروا»، يُؤكد أنّه يأتي في إطار مُخطَّط الاحتلال الهادف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
ما يُعزِّز ذلك، هو أنّ هذه المزاعم، تُشكّل مُقدِّمة لـ:
– منع «الأونروا» من العمل في قطاع غزّة، بعد وقف الحرب.
– إخراج «الأونروا» من أيِّ دورٍ يُمكن أنْ تضّطلع به داخل قطاع غزّة، في عملية المُساعدة والإغاثة وإعادة الإعمار.
– التدمير المُمنهج لمُؤسّسات «الأونروا» من مراكزٍ صحيّة وعياداتٍ لإخراجها من تقديم الخدمات الطبيّة، وقصف وتدمير المدارس، وحتى التي استُخدِمَتْ كمراكز إيواءٍ للنازحين من داخل القطاع.
– التدمير المُتعمَّد للمُخيّمات في قطاع غزّة، حيث يبلغ عدد اللاجئين المُسجّلين فيها لدى وكالة «الأونروا» 1.4 مليون من أصل 2.23 مليون نسمة يعيشون في القطاع.
– ارتكاب المجازر وجرائم حربٍ، وضد الإنسانية، والتمييز العنصري، والتطهير العرقي، والإبادة الجماعية على مدى 114 يوماً، حيث سقط أكثر من 26 ألف شهيد و10 آلاف مفقود و65 ألف جريح، وتدمير المنازل والمباني والمُؤسّسات والمدارس والجامعات والمُستشفيات والمراكز الطبية، ونُزوحِ أكثر من مليونَيْ فلسطيني داخل القطاع، ومنع إيصال الدواء والكِسَاء إلى أبناء غزّة المُحاصرين.
جاء توقيت ذلك:
– بعدما فشل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة بتحقيق أهدافه، إلا بارتكاب المجازر، والانتقال إلى المرحلة الثالثة من بنك أهدافه!
– بعد الإنجاز التاريخي الهام بقرار «محكمة العدل الدولية» في لاهاي، بمُحاكمة الكيان الإسرائيلي على جرائم الإبادة الجماعية، التي يرتكبُها بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، في الدعوى التي تقدّمت لها جنوب إفريقيا.
يتذرّع الاحتلال اليوم، زاعماً أنّ 12 مُوظّفاً في وكالة «الأونروا»، قد شاركوا في أحداث 7 تشرين الأوّل/أكتوبر 2023.
لكنْ المُوظّفين لم يُشارِكوا بشكل فعلي، بل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قام مُوظّفان بوضع صورة «أبو عبيدة»، وإحدى المُعلّمات وضعت صور أفراد أسرتها الذين استشهدوا جميعاً.
وقد اتخذ المُفوّض العام لوكالة «الأونروا» فيليب لازاريني قراراً «بفصل المُوظّفين فوراً، وفَتْحَ تحقيقٍ دون أيِّ تأخير للكشف عن الحقيقة»، وذلك استباقاً لنتائج التحقيق.
وحتى لو حصل ذلك، وهو من مُنطلقٍ إنساني، لا يُمكن أنْ يُعاقب عليه المُوظّف!
وإنْ أُجبِرَتْ الوكالة على اتخاذ أي قرار، لا يعني أنّها تتبنّى ما يقوم به مُوظّفوها!
كما أنّهُ لا يُمكن تحميل مسؤولية تصرُّف موظَّفٍ لإدارته!
وكُلُّ ذلك لا يستوجبُ توقيف الدعم!
لكن، في حقيقَةِ الأمر، ما جرى هو تنفيذُ مُخطّطٍ أميركي – إسرائيلي مُعدٍّ مُسبقاً، لتحقيق الهدف الأساسي، وهو إلغاء وكالة «الأونروا».
تبلُغ مُوازنة وكالة «الأونروا» حالياً حوالى 1.17 مليار دولار أميركي، وتعتمد بشكلٍ رئيسي على مُساهمات من خلال تبرُّعاتٍ يُمكن للدول أنْ تلتزم بها، أو تزيد وتنقص من ذلك، وفق اعتباراتٍ مُتعدّدة!
يأتي في طليعة الدول، الولايات المُتّحدة الأميركية، حيث تبلغ المُساعدة السنوية المالية التي تُقدِّمُها إلى وكالة « الأونروا» حالياً، 300 مليون دولار أميركي – أي ما نسبتُهُ 25.6% من مُوازنتها، بعدما أعاد الرئيس الأمريكي جو بايدن دفع مُساهمة بلاده في ميزانية الوكالة الدولية، التي كان الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب قد أوقف تمويلها في 31 آب/أغسطس 2018، والذي كان يبلُغ 365 مليون دولار، دفع منه في العام 2018، فقط مبلغ 60 مليون دولار.
هذا علماً بأنّ مُساعدة الولايات المُتّحدة الأميركية العسكرية السنوية للكيان الإسرائيلي تفوق الـ3 مليارات دولار أميركي.
تُشكّل مُساهمة الاتحاد الأوروبي 44.3% من إجمالي تعهُّدات الوكالة، حيث بلغت قيمة المُساهمة 520.3 مليون دولار للعام 2022.
تحصل وكالة «الأونروا» على حوالى 44 مليون دولار أميركي من الميزانية العادية للأُمم المُتّحدة.
عندما تأسّست وكالة الأُمم المُتّحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى «الأونروا» في 8 كانون الأول/ديسمبر 1949، كانت تهدف إلى إغاثة وتشغيل اللاجئين من خلال مُساعدتهم وإيجاد فُرص عملٍ لهم.
وقد بدأت الوكالة فعلياً بعملياتها في أيار/مايو 1950، بتقديم الخدمات إلى حوالى 750 ألف لاجئ، بينما الآن تُقدَّم إلى حوالى 5 ملايين لاجئ فلسطيني، يتوزّعون على الأقاليم الخمسة التي ينتشرون فيها، وهم: لبنان، سوريا، الأردن، قطاع غزّة والضفّة الغربية بما فيها القدس.
هذا علماً بأنّ عدد مُوظّفي «الأونروا» يبلغ 30 ألفاً، يعمل منهم في قطاع غزّة 13 ألف، يتوزّعون على أكثر من 300 مُنشأة في القطاع.
تأثّرت كثيراً خدمات «الأونروا» بفعل الضغوطات السياسية، والمُحاولات الأميركية والإسرائيلية إلى إنهاء خدماتها، وحتى إلى تغيير تصنيف مَنْ تنطبق صفة «اللاجئ» عليه، حيث يعملان من أجل أنْ تقتصر على مَنْ نزحوا من فلسطين إثر نكبة أيار/مايو 1948، وليس استمرار صفة اللجوء إلى الأبناء والأحفاد.
هذا ما يُعزّز التذرُّع الدائم للولايات المُتّحدة والكيان الإسرائيلي بالبحث عن حجج واهية.
سابقاً زعمت الإدارة الأميركية أنّه لا تُوجد مصلحة قومية في صرف المُساهمة إلى وكالة «الأونروا» في الضفّة الغربية وقطاع غزّة، بهدف الضغط الاقتصادي على الفلسطينيين لقبول «صفقة القرن»، التي رفضها رئيس دولة فلسطين محمود عباس والقيادة الفلسطينية.
ما يجري هو في إطار تحقيق الهدف الأساسي، وهو تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، بعدم الاعتراف بوجود قضية أساساً، لأنّها إحدى قضايا الحل النهائي!