ها هو لبنان، أرضاً وشعباً ومؤسسات، وقد بات بين فكي الكماشة التي تطبق على عنق النظام الإيراني في النزاع الشرس القائم حاليا ما بين الولايات المتحدة وذلك النظام، وتصل حدّة الإطباق فيها إلى حدود الإختناق، وتصل في تطوراتها إلى حدود احتمالات النزاع المسلح التي تكاد أن تقتصر حتى الآن على حرب باردة، إقتصادية الطابع، تغييرية الغايات.
أما وقد نجح هذا النظام في مد أياديه وسلطته إلى أكثر من بلد عربي، محكما قبضته على أعناق تلك البلدان، ها هو حزب الله يقاوم في كل مكان كجزء لا يتجزأ من الحرس الثوري وولاية الفقيه وخلفيات الأمبراطورية الفارسية التي تمكنت من خلق دولة بديلة وجيش بديل وشعارات محلقة في أجواء بعيدة لا ترتبط بلبنان ولا بالمصالح اللبنانية بقدر ما هي مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وطموحاته الإمبراطورية.
مستذكرين في هذا المجال، زمنا مرّ على لبنان لم تكن فيه معالم الإنفلاش الإيراني قد ظهرت في حدودها القائمة حاليا. آنذاك، كانت المقاومة في وجهها الأساسي تطل على اللبنانيين من باب ردع إسرائيل في حربها على الأرض اللبنانية وعلى لبنانيين يقاومون الإعتداء الإسرائيلي الغاشم واحتلاله لأجزاء واسعة من الأرض اللبنانية، آنذاك كان لها تأييد لبناني كاسح متوجه ضد عدو وصل في عدوانه إلى حدود الإحتلال والمس بسيادة هذا البلد الصغير الذي ينافس في ضخامة كفاءاته البشرية، حجم وطموحات إسرائيل وتطلعاتها إلى السيطرة على هذه المنطقة من العالم، والتي أفلحت مع الأسف في اختراقها من خلال استيلائها على أرض فلسطين ومقدساتها، لذلك كان كل هذا التأييد العارم من قبل كل الفئات والجهات اللبنانية، لم تختلف المواقف إلاّ بعد ان أسفر الحزب عن هويته المنتمية بمواقفها ومجابهاتها جميعا إلى ايران شكلا وأساسا.
ينطلق الحزب في هذا التوجه من عقيدة ثابتة لديه نقدرها كما نقدر ونحترم كل العقائد المرتكزة إلى أسس إيمانية، هي من خصائصها المكانية والروحية، ولكننا في الوقت نفسه نستذكر لأنفسنا ولسوانا من أهل هذه البلاد أننا في وطن تعدّدي يسترسل في تعداده الطائفي والمذهبي إلى طائفتين أساسيتين وثمانية عشر مذهباً لم يتمكن حتى الآن من وضع حد نهائي لانقساماتها وتوجهاتها ومجابهاتها، من هنا ابتدع اللبنانيون في السياسة مبدأ النأي بالنفس، وهو مبدأ لم يفلح الحزب في تطبيقه على نفسه، لأنه أبدع في التخطيط والتنظيم والسعي الحثيث إلى حدود أمسك فيها بالدولة بكل سلطاتها ومؤسساتها ومفاصلها الأساسية، وترك بعض التفاصيل لممثلي هذه الدولة مانحا شكليات الحكم إلى سواه، وممسكا بالسلطات الأساسية، بما فيه سلطة اتخاذ قرارات الحرب والسلم، وهنا بيت القصيد الداعي إلى القلق والتحسب. إن الولايات المتحدة الممسكة بمفاصل العالم الأساسية، توجه في هذه الأيام كل جهودها لضبط الإنفلاش الإيراني مبتدئة بالحرب الإقتصادية، حتى إذا ما أفلت زمام تحكّمها بأصولها وفصولها، فهي مقبلة على ما يبدو إلى حالة حرب قد تبدأ صغيرة ومحددة، وقد تنفلت إلى حدود اشتعال لهبها على مستوى المنطقة بكاملها.
حزب الله كان صريحا مع نفسه ومع اللبنانيين، إذ أعلن بأنه في مثل هذه الحالة سيكون في صميم المعركة، المحتملة بين الولايات المتحدة وإيران، وها هو نتانياهو يحذر الحزب بأقسى العبارات بأنه ربما يكون جزءا من هذه المعركة اذا ما قام بتوجيه ضربات إلى الكيان الإسرائيلي، وقد دمج التهديد الإسرائيلي الحزب والدولة اللبنانية دون تفريق بينهما، بعد أن اعتبرهما واحدا في السراء والضراء، ومع أن القرار بالحرب اذا ما اتخذ فهو قرار الحزب، ولا علاقة للدولة وللمواطنين اللبنانيين به، هو في ظروفه ودوافعه القائمة، حرب إيرانية – أميركية، وقد تكون ضمنها إسرائيل إذا ما اتسع نطاقها لأي سبب وأية حجة وأي اختلاق، وبالرغم من التهديدات المتبادلة عالية النبرة التي يصب الكثير منها في هذه الأيام على كل مسامع الساحة اللبنانية، فإن حربا ضدّ الدولة اللبنانية ستجلب الدمار والخراب للبنان بأسره بكل مناطقه وفئاته وجهاته، وسيدفع اللبنانيون آنذاك، ثمنا هائلا لقرار حرب لم يكن لهم فيها لا قرار ولا رأي ولا كلمة، وسيحارب اللبنانيون آنذاك «نصرة» لقضية حجرها الأساسي ودوافعها ومصالحها، إيرانية في الشكل وفي الأساس، وستدور مثل هذه الحرب في أماكن خارج الارض الإيرانية وبمقاتلين غير إيرانيين.
وبعد: من آثار الحرب الإيرانية – الأميركية، ضمّ نائبين لبنانيين من نواب حزب الله إلى قائمة الإرهاب المعتمدة من السلطات الأميركية، واللبنانيون بعد هذا الضم باتوا محرجين بصفتهما النيابية، والرئيس بري، اعتبر التصرف إهانة للبنانين جميعا. أيعني ذلك أن على الحكومة اللبنانية والشعب اللبناني ان يقفوا جميعا ضد التصرف الأميركي؟ وماذا عن نتائج هذا الوقوف المجابه لأكبر قوة في العالم سواء في العسكرتاريا أم في السياسة أم في الإقتصاد؟ إلى أين سيجرنا هذا الموقف الصعب، وما هي نتائج قلب السياسة الأميركية تجاهنا رأسا على عقب، خاصة لجهة سياسة الخنق الإقتصادية والتضيق العسكري فيما لو مورست ضدنا؟ وسيكون الوضع أكثر حدة وأكثر إحراجا لو أن اجراءات أميركية مماثلة قد اتخذت بحق وزراء منتمين إلى حزب الله، أعضاء في الحكومة اللبنانية القائمة.
سؤال نوجهه إلى من بيدهم شأن هذا الوضع، ومن سيلقى على عاتقهم أمر معالجة تداعياته على كل الصعد والميادين؟ ما أكثرها وما أخطرها من تداعيات.