نحيّي الرئيس عون على طلبه من الوزراء التقليل من الكلام والإكثار من الأفعال. ليس لأننا ننتظر إنجازات فورية من حكومة بدأت مسيرتها بخفض التوقعات، بل لأن من حق الرئيس ميقاتي ألّا يتحمّل “هبلنات” وزير و”هفوات” آخر، ولأن له مصلحة في صدمة إيجابية تغطي الطريقة المخزية في المحاصصة التي لا يفسّرها إلا احتقار “المنظومة” لعموم اللبنانيين.
رغم قناعتنا بأن هذه الحكومة ليست المطلوبة لإنقاذ لبنان، وبأنها لم تتشكل إلا لتجديد شباب المنظومة في لحظة أفرج فيها الرئيس الايراني عن ورقته اللبنانية بالتفاهم مع الغرب، فإننا سننتظر أفعالها لا بيانها الوزاري. أمامها قبل كل شيء واجب إثبات أنها ليست كسابقاتها، لكنها بتركيبتها وثماناتها الثلاث تبدو حكومة الثأر من ثورة 17 تشرين. فالإصرار على اجترار تمثيل القوى الناهبة للمال والسيادة على السواء هو بمثابة إعلان انتصار على مطالبة الشباب اللبناني بدولة المواطنية والقانون، بيد أن النشوة التي يعيشها الواقفون على الخراب ستصطدم بواقع مسؤوليتهم عن اصلاح ما خربوه على المستويات كلّها.
لن نكرّر المعزوفة عن وجود وزراء “أوادم” أصحاب حماسة واختصاص. فحكومة دياب الفاشلة تضمنت مثلهم بالتأكيد، لكن الحكومة الميقاتية الثالثة ليست أفضل بكثير، فهي مرسومة بموازين قوى محكومة بقبضة حديد تجعل منها في أحسن الأحوال “بلدية” لإدارة التصليحات، وأداة لتشريع ما اقترفته السلطة من سطو على مدخرات اللبنانيين والمال العام، وهي حُكماً عاجزة عن التمتع بحقها الدستوري في أن تكون مركز القرار، هذا لو أرادت ممارسته بحس وطني سليم.
لا نطلب الأعاجيب من حكومة الرئيس ميقاتي، غير ان حشرها في أشهر ما قبل الانتخابات لا يعفيها من واجب اعتبار نفسها مكتملة المواصفات والواجبات، أقله في الشأن غير السيادي، إذ انها مستغنية بحكم ولادتها عن التطرق الى واجب استعادة الدولة المخطوفة او التفكير بحياد لبنان الجدي المختلف عن “النأي بالنفس”، الذي ابتدعه ميقاتي وجرى في ظله أخطر تدخل في شؤون الآخرين.
من حظ حكومة ميقاتي انها في اول دخولها ستحصل على أكثر من مليار دولار بدل حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي. وستبنى العلاقة مع مؤسسات التمويل والمفاوضات مع الصندوق على طريقة التصرف بهذا المبلغ. فلا داعي للشعبوية ولا للخضوع لابتزاز الأوصياء الممثَّلين في وزارات الهدر الكبير، وغير مقبول استمرار نهج تدمير مالية الدولة وإفقار المواطنين. الحكومة مدعوة الى قرارات إصلاحية صعبة تكفّر فيها عن ارتكابات المنظومة التي تمثلها، لكنها وإن ضمنت ثقة البرلمان فلن تحوز ثقة اللبنانيين مقيمين ومغتربين ولا ثقة المستثمرين اذا أخلّت بثلاثة واجبات أساسية على الأقل:
أولها: السعي لإعادة الأموال المنهوبة وتوزيع الخسائر بلا تحريف وتزوير بالتوازي مع وقف التصرف بأموال الدولة والمجتمع، لإثبات انها لا تمثل مصالح الناهبين رغم تسليم ماليتها لرجل رياض سلامة بتوافق سياسي تآمري خبيث.
ثانيها: إعادة الأمل بوجود دولة وقضاء عبر حماية التحقيق العدلي وعدم السير بموجة الاحتيال التشريعي لطمس جريمة 4 آب وتحصين المدعى عليهم وتجهيل المجرمين.
ثالثها: إحياء احترام المواعيد الدستورية عبر التزام مواعيد الانتخابات وعدم التذرع ببحث قانون جديد يشكل مدخلاً للخلاف وحجة للتأجيل ونسف الأمل بالتغيير.
أسابيع قليلة ويظهر الخيط الأبيض من الأسود، وليتنا نكون مخطئين.