من الآن حتى إشعار آخر، ستبقى إيران هي «الموضوع» وليس السياسات التي تعتمدها خارجياً فقط. وهذا أمر استجدّ مع دونالد ترامب، لكنه كان موجوداً دائماً سوى أن طهران استطاعت أن تخبئه تحت أغطية «النفوذ» الخارجي، والعدّة المصاحبة لذلك. من الشعار (الفلسطيني والمقاوم) إلى الأدوات القتالية المتعدّدة الهويّات والموحّدة الهوى والأهواء.
وكان لا بدّ ممّا استجدّ (أميركياً) كي يُعاد تصحيح الاتجاه! وإشهار الأمور استناداً إلى جذورها وليس فروعها. ولا يُلام أحد سوى أصحاب الشأن الإيراني في ذلك. وهم الذين أحضروا الفتنة من سريرها العتيق، والموغل في العتق، وجعلوها عروساً تُقرع لها الطبول وتصدح لأجلها الأبواق وتغنّج باعتبارها ذات شأن مرموق يُوصل إلى «اجتثاث» «الغدّة السرطانية الصهيونية» من جسد «الأمّة»! و«يحصّن» المنطقة وشعوبها إزاء الذئاب (الغربية) الناهشة في خيراتها! و«ينصر» «المستضعفين والمساكين» إزاء «المستكبرين» و«المتجبّرين» ومَن لفّ لفّهم وحكى حكيهم ومشى معهم!
لكن لم تبقَ من هذه السيرة سوى الفتنة ذاتها، يُعتدّ بها! بعد أن صارت إسرائيل «مرهم علاج» بدلاً من أن تكون «غدّة سرطانية»! وأول إشارات الحيوية المنعشة لذلك المرهم، هو التشديد والتأكيد على أن بشار الأسد هو خير ضمانة للحدود الإسرائيلية مع سوريا! ومبعث اطمئنان مكين إلى استقرار تلك الحدود مع «تعديلاتها» التي جعلت من الجولان جزءاً منها وليس خارجها!
ثمّ بعد أن خلصت معارك «المقاومة» (الإيرانية الاستراتيجية)، إلى تمكين تلك «الذئاب» الغربية من الحضور أكثر ممّا كانت عليه سابقاً.. وزاد عليها من لم يحظ في كل تاريخه بما حظي ويحظى به اليوم. بحيث أن الروس صاروا في «العصر الإيراني» شركاء مضاربين في المنطقة العربية للإسرائيليين من جهة والغربيين من جهة ثانية.. وربما في وقت ما يُصار إلى التعويض عن غيابهم عن المشاركة في قوّات الأمم المتحدة في الجنوب اللبناني تنفيذاً للقرار 1701، بدعوتهم إلى توسيع انتشار شرطتهم العسكرية من المنطقة الجنوبية الفاصلة في سوريا إلى المنطقة الجنوبية الفاصلة في لبنان!
أمّا حديث نصرة «المستضعفين» و«المساكين» فصار لزوم ما لا يلزم! ولم يعد في حاجة إلى شرف وتلميع وتدريع وتظهير بعد أن كسرت الحروب والمعارك «التنويرية» و«التثويرية» ثروات دول المنطقة وشعوبها! و«استقرت» أحوال العراق وسوريا واليمن وإلى حدّ ما لبنان، عند حفافي الفقر والإملاق! ووصل الماركسيون إلى معاينة نظريتهم الأثيرة على الأرض مباشرة، حيث «الصراع الطبقي» أوضح من مشرط الجراح بين «أكثرية تعاني وأقلية تراكم الثروات» ومن دون عوائق «الطبقة الوسطى» والتباساتها بعد أن تبخّرت هذه تماماً أو تكاد!
أخذت مداها و«حصّتها» مواضيع الاستراتيجية الخارجية الإيرانية! ولم يبقَ هناك ما يُحسب له حساب القوّة والبأس ومراكمة النفوذ أو إدّعائه! «سقط القناع»! وظهر المستور تحت «ثوب الامبراطور»! ولم يكن ينقص المشهد سوى «الإضاءة» الأميركية في الوقت المناسب! وهذه جاءت مباشرة وحادّة مثل شمس آب! ولم تترك زاوية معتمة إلاّ وكشفتها! والزوايا كثيرة في الادّعاءات الإيرانية! وجلّها ناتئ وحاد وصعب تدويره! من «الأمن» الاقتصادي إلى «الأمن» الثقافي بحيث اكتمل الخواء بتزامن انهيار العملة والاستقرار الداخلي، مع انهيار آخر السدود المبنية من رمل الشعارات الممانعة والمقاومة من الجولان.. إلى التذكير بـ«حماية» الفرس لليهود أيام زمان!