اذا كان من الصعب توافق الكتل النيابية على وضع قانون جديد للانتخابات العامة، فأصعب منه انتخاب يسبقه لرئاسة الجمهورية. وهذا الفشل المزدوج لا تستطيع الطبقة السياسية تحمله وتبرير استمراره الى أجل غير مسمى. هذا الفشل يعني أن السياسيين يشيدون جداراً عالياً وعازلاً يفصلهم عن الجمهور وسائر مكونات المجتمع، والاختباء وراءه طلباً للحماية. وقد يصمد هذا الجدار لبعض الوقت، ولكنه في النهاية سينهار فوق رؤوس الحُكم والسياسيين، تحت وقع طرْقات المعاول والمطارق الثقيلة للغاضبين والثائرين من عامة الناس…
***
حتى الآن يطلب حكماء السياسة في لبنان، الحد الأدنى من الاصلاح الانتخابي، ويطالبون باعتماد قانون مختلط، ينطوي على حد أدنى من التوازن، على أساس نصف أكثري ونصف نسبي. والبعض نزل الى حد أدنى منه بالمطالبة بقانون يضمن أرجحية انتخاب على أساس الأكثري منه على النسبي! ويتصرف العديد من الكتل النيابية بوحي أن اعتماد أية نسبة من النسبية هي بمثابة تجرع السم! وتتصرف كتل أخرى انطلاقاً من اقتناع آخر مضاد، وكأن عليها الاختيار في التجرع بين اثنين من السموم: سم النسبية المجتزأ، وسم القانون الذي يسمى ب الستين!
***
من الناحية الواقعية، فإن أفضل وسيلة للتفاوض هي طلب الحد الأعلى للوصول الى تحقيق الحد الأدنى. ذلك أن المطالبة بالحد الأعلى تعطي هامشاً للتنازل درجة واحدة أو أكثر للوصول الى الحد الأدنى المقبول. أما المطالبة بالحد الأدنى، فإن التنازل عنه ولو درجة واحدة فإنه يوصل مباشرة الى قانون الستين دون سواه! وعلى أركان الطبقة السياسية ألا يخدعوا أنفسهم طويلاً بأن الشعب اللبناني الذي أظهر هذا القدر من الوداعة والديموقراطية الوديعة في شهر الانتخابات البلدية، أنه سيبقى كذلك في أية انتخابات سياسية مقبلة… أو أن يقنعوا أنفسهم أيضاً بأن الأمن مستتب، وبأن زعاماتهم مستتبة أيضاً…
***
لا بد إذن من تغيير المعايير… وأن يكون الحد الأعلى للمطالب هو تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية… وبعدها فقط يمكن الحصول على الحد الأدنى وهو قانون على أساس النسبية!