لم يراهن التحرك الشعبي على أيٍ من أطراف السلطة في معركته لفرض تغيير في التمثيل الحكومي قوامه سلطة تنفيذية انتقالية مستقلة تتولى إجراءات إنقاذية تتوج بانتخابات نيابية مبكرة.
إعتقد اللبنانيون الذين نزلوا الى الشوارع من خارج الانتماءات الحزبية والطائفية أن بإمكانهم تحقيق التغيير من دون دعم تقليدي يضاف الى “ثورتهم النظيفة”، والحقيقة أن أي تغيير في تاريخ لبنان لم يحصل من دون افكار ثورية يطرحها ثوريون لكن تحقيقها سيحتاج الى قاطرة تقليدية أو أكثر.
فمنعُ الشيخ بشارة الخوري من إكمال ولاية ثانية كان نتيجة شعور لدى مجموعات المتنورين، بأن في التجديد والتمديد اعتداء على الديموقراطية، إضافة الى نتائجه في تنشيط الفساد وتعميمه. إلا أن المنع لم ينجح بنتيجة ثقافة غسان تويني ونظريات كمال جنبلاط الاشتراكية، بل لأن كتلاً شعبية وطائفية نزلت الى الشارع وانفصلت عن النظام القديم فأفقدته عوامل قوته واستمراره.
والأمر نفسه تكرر مع كميل شمعون في العام 1958. لم تكن لليسار الشيوعي المعارض لرأسمالية شمعون وارتباطه بالنقطة الرابعة ومشروع أيزنهاور وحلف بغداد، الإمكانية لإسقاط شمعون. كان هؤلاء الأقدم في مواجهة الرجل وسياسته، قبل ان يقرر داعموه العام 52 الانتقال الى محاربته بعد ست سنوات ففرضوا عليه الانكفاء عن أحلام التجديد والتمديد. وهؤلاء لم يكونوا الا ممثلي الطوائف والعائلات الناقمة على استباحة مكاسبها وليس على رأسمالية النمر شمعون.
ما يجري اليوم نقيض للتجربتين الآنفتين. فالانتفاضة الخارقة للطوائف والمناطق لم تجد في القوى التقليدية سنداً لها حتى الساعة، ما يثبت صحة انطباع المنتفضين عن تشابك مصالح أهل السلطة وضحالة معنى خلافاتهم. وجلسة الموازنة ثم جلسة الثقة كانتا امتحاناً قاطعاً للإفتراق القائم بين الانتفاضة ومختلف تلاوين الفئة الحاكمة، والسلوك ” المخزي” في جعل قوى الأمن اداة قمع للناس خدمة لمئة شخص يختصرون بخمسة من القواد، دليل آخر على أن ما يجمع أهل السلطة لا يفرقه إنسان غاضب.
السؤال الآخر الذي يطرح نفسه: ماذا لو قرر جزء من اركان السلطة أن يستخدم الانتفاضة فيستفيد من زخمها لتحقيق مصالحه؟ الجواب أن هذا الامر مستحيل، لأن حجم المصالح المشتركة بين هؤلاء كبير ولا يعادله سوى عدم ثقة الناس بهم.