لم ينتظر القيادي العوني نعيم عون موعد إطلالته الإعلامية التلفزيونية الأول من نوعها، صباح اليوم، كي يُفرغ قنابله الكلامية أمام الرأي العام، فلجأ سريعاً الى صفحته عبر موقع «الفايس بوك»، وهو المعروف بعدم حماسته للإعلام الافتراضي، ليعبّر بكلمات قليلة على طريقته على قرار تعليق عضوية «رفيقه» زياد عبس، من خلال استعادة قول سابق للجنرال ميشال عون بحق القيادي الأرثوذكسي البيروتي.
مثله فعل انطوان نصرالله الذي علّق بالقول «وقفوا هناك مع الحقيقة يدافعون عنها، منهم مَن حوكم ومنهم مَن ينتظر، وما بدلوا تبديلاً». وآخرون كثر من العونيين افترشوا الجدران الافتراضية تعبيراً عن رفضهم واعتراضهم على ما آلت اليه أوضاع «التيار الوطني الحر»، وآخر تجلياتها، الإجراء بحق عبس.
لا تكمن أهمية هذه «البوستات» في كونها متضامنة مع رفيق عتيق في مواجهة محاكمة يعتبرونها «غير عادلة»، وإنما في كونها تنال من هيبة التنظيم وقيادته. الكلام عن غلبة «المموّلين» في التيار على حساب «المناضلين» لم يعُد محصوراً بين الجدران المغلقة، بل خرج الى العلن.
خلال الساعات الأخيرة، تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي إلى «عامية اعتراض» أتاحت للعونيين الناقمين على إجراءات القيادة الجديدة وعلى أدائها بالمطلق خلال سنة، أن يُخرجوا ما في صدورهم من انتقادات وملاحظات وصلت في كثير من الأحيان الى حدود التهكّم والسخرية على طريقة «شرّ البلية ما يُضحك».
ليست المرّة الأولى التي يلقي فيها العونيون همومهم على «حائط المبكى الافتراضي»، ولكن لهذه المرّة معنى آخر ومغزى أكثر تعبيراً. فمن اعتقد أنّ موجة الاعتراض التي رافقت استحقاق انتخاب رئيس «التيار» قد تمّ تكسيرها، يلاحظ من خلال ردود الفعل على تجميد عضوية عبس وجورج طشاجيان وطرد انطوان مخيبر، أنها ستتجدّد وربما ستتحوّل الى «تسونامي»، خصوصاً في ضوء ما يمكن أن تفرزه الانتخابات التمهيدية للانتخابات النيابية من «تشوّهات» يرى المعارضون العونيون أنها «لا تشبهنا ولا تشبه تاريخنا النضالي».
وتبدو قيادة «التيار الوطني الحرّ»، وفق المعارضين، أمام واحد من احتمالين: إما الاعتراف بالواقع المأزوم ووضع مقاربة جديدة للحال التي بلغها التنظيم في ضوء الشروخ البنيوية التي أصابته، والتي ستتمدّد أفقياً مع الاستحقاق التمهيدي وما سيليه من خطوات لوضع لوائح الترشيحات النيابية، «خصوصاً اذا صدقت سيناريوهات المشككين وجاءت الترشيحات على قياس «بروفيلات» المتموّلين»!
الاحتمال الآخر، أن تبادر القيادة الى إقفال آذانها عن أصوات التحذير التي تدعوها الى مراجعة أدائها، والاستمرار بسياسة «التطنيش» و «التهشيل»، على قاعدة أن ما كُتب قد كُتب ولا عودة إلى الوراء.
إلى ذلك، لا تزال التساؤلات حول مصير ترشح زياد عبس للانتخابات التمهيدية في بيروت، موضع رصد. عملياً، تقدّم القيادي العوني بطلب ترشحه عن المقعد الأرثوذكسي ويُفترض أن يأتي الجواب من لجنة درس التشريحات (تبدأ اليوم عملها بعد إقفال باب الترشح)، ومن المتوقع أن يكون الردّ سلبياً نتيجة لقرار تجميد عضويته.
صحيح أنّ أمام عبس مهلة 15 يوماً للاستئناف، ولكن مسار الأمور يشي بأنّ مصير الاستئناف قد لا يتحدد قبل نهاية الشهر، وهو الموعد المحدد لإجراء الانتخابات التمهيدية، ما يعني خروجه رسمياً من السباق، حتى لو أتت النتيجة القضائية لمصلحته.
هل يعني ذلك أنّ مؤيدي عبس سيبقون هم أيضاً خارج الحلبة أم سيقفون على صناديق الاقتراع للتصويت لـ «رفيقهم» حتى لو احتسبت أوراقهم ملغاة؟ هل سيكون تصويت البيروتيين في «التيار» رسالة الاعتراض المدوّية على قرار تجميد عضوية عبس؟ هل ستكون الأوراق الملغاة في الأشرفية في الثلاثين من الحالي أكثر عدداً وتعبيراً من الأصوات المحتسبة؟ وأخيراً، حين سيستعيد الرجل بطاقته الحزبية بعد أربعة أشهر، وهل سيسمح له من جديد العودة الى حلبة النيابة من خلال الانتقال فوراً الى مرحلة استطلاعات الرأي؟ أم أنّ ورقته احترقت بالكامل؟ وهل يفاجئ عبس قيادة «التيار» بالترشح للانتخابات المقبلة من ضمن لوائح «بيروت مدينتي» الجاري تحضيرها حالياً؟