أيها اللبنانيون هذا الرئيس الذي حلمت به الثورة
أربع سنوات انقضت مذ اشتعلت انتقاضة 17 تشرين 2019، أربع سنوات ولبنان يغرق عميقاً في مستنقع الفشل، يبحث عن رئيس لجمهوريته ولا يجد إلا الفراغ… لكن ماذا لو عاد الزمن إلى الوراء وأثمر ذاك التشرين رئيساً للجمهورية، هل كان ليتغير مسار لبنان ومصيره؟ هل كان انتخاب رئيس من رحم الثورة ليوفر على البلد أربع سنوات من التخبط والضياع والفراغ ويجعل ناسه تأمل ببلد عصري حضاري ونظام متطور قابل للحياة؟ رئيس حلم حملت به الثورة وأجهضته المنظومة الحاكمة…
أي رئيس للجمهورية كانت لتفرزه الثورة في حينها؟ أي اسم كان ليطفو فوق زبد التحركات ويخرج منها ببرنامج إنقاذ؟ سؤال أربك من طرحناه عليهم من ناشطين شاركوا بفاعلية في تلك الأحداث. الثورة العفوية الارتجالية لم تفكر برئيس ولم تطرح على نفسها موضوع رئاسة الجمهورية أرادت إسقاط الحكومة والاتيان بحكومة اختصاصيين، ولم تعرف أن الدرج يشطف من فوق كما قال الرئيس عون يوماً.
من خارج نادي الموارنة
من خلفية عسكرية مقاتلة تؤمن بلبنان وجد العميد المتقاعد جورج نادر موقعه الطبيعي في قلب الثورة. سؤالنا عن الرئيس الذي كان يمكن للثورة أن تنتجه لم يفاجئه أو يربكه، فأي اسم ليس تابعاً للمنظومة القائمة يمكن أن يكون الرئيس الأنسب. لكن انتاج رئيس من دون فريق عمل متجانس كمن ينتخب «مطراناً على مكة». وحده بلا حكومة تكون له فيها الأكثرية يبقى عاجزاً ورأيه غير مطاع. الثورة برأي نادر أثمرت اسماء لامعة نظيفة لم تتسخ بعلاقات مع السفارات والأحزاب منها واصف الحركة، د. شوقي المصري، سمر أدهم أود. عصام خليفة. لكن حين نصرّ على العميد نادر أن يذكر اسماً مارونياً يتردد قليلاً قبل ان يخرج باسم العميد خليل الحلو. فالموارنة وفق ما يقول في الثورة كان عددهم قليلاً لأنهم ربما شعروا أنها قامت ضد أحزابهم.
«لكن مهما كان اسم الرئيس ما كان ليستطيع تغيير ما نطمح الى تغييره فالأزمة أزمة نظام وليس اشخاص وأي رئيس لا يمتلك أكثرية نيابية وحكومة فاعلة لا يستطيع شيئاً لأننا في نظام برلماني لا رئاسي»، يقول نادر. لو كان معه ما يكفي من النواب لكان قادراً على وضع حد للانهيار الذي يعيشه لبنان. فالدولة بكل بساطة مسروقة وليست مفلسة ومصادرها المالية المنهوبة قادرة أن تنتشلنا من الانهيار إذا تمت إدارتها بشفافية. لو انتجت الثورة قيادة لكنا غيّرنا شيئاً ما ولو حصلت الانتخابات النيابية في حينها لكانت أتت بأكثرية نيابية ولانتخبنا رئيساً. لكن بسبب الأنا عند كل قياديي الثورة من جهة وغياب القدرة اللوجستية على التنظيم، إضافة الى الاختراق من قبل السلطة بالترهيب والترغيب فشلت الثورة في تحقيق ما أرادته، لكن فكر 17 تشرين لا يزال قائماً رغم الخيبات والاختراقات.
جهاد أزعور تقاطع إيجابي
«الكتلة الوطنية» كانت في صلب الأحزاب التي شاركت في ثورة 17 تشرين لكن مسألة الإتيان برئيس حينها لم تكن مطروحة، يقول ميشال الحلو أمين عام «الكتلة الوطنية» الآتي من خارج السرب السياسي، فالثورة وضعت مبادئ وأهدافاً أولها إسقاط الحكومة وتشكيل حكومة اختصاصيين تضع مشروعاً إصلاحياً وتكون قادرة على تنفيذه.
يردف: «لم نصل مرة الى فكرة إسقاط الرئيس عون فالتركيز كان كله على الحكومة. أردنا إسقاط المنظومة التي اتفق كل اللبنانيين أنهم غير راضين عنها، من خلال فكر جديد أوجدته الثورة ومساحة للنقاش بين أفراد المجتمع من كل الخلفيات السياسية والطائفية والمناطقية. لكننا اكتشفنا أن سقوط المنظومة غير واقعي. لو كنا موحدين ومصرين ونملك قيادة سياسية واضحة لاستطعنا تشكيل جبهة سياسية قوية قادرة على الوقوف في وجه المنظومة. لا شك أننا كنا نتمنى لو يصل الى الرئاسة أحد أبناء الثورة لكن السلطة بكل ما تملك من إمكانيات أمنية و إعلامية ومالية جعلت إيصاله غير ممكن. ثمة اسماء اليوم تشكل بديلاً جدياً وباستطاعتنا أن ندعمها مثل جهاد أزعور او زياد بارود أو صلاح حنين. والتقاطع الذي حصل حول جهاد أزعور إيجابي وإن لم نكن متفقين معه 100% لكنه يملك الصلة المطلوبة مع البنك الدولي والخبرة الاقتصادية والقدرة على الإصلاح».
ببراغماتية وواقعية يدرك الحلو أنه حتى لو تحقق الحلم ووصل رئيس من الثورة لما استطاع الكثير، فثمة صعوبة في تغيير مسار البلد بسبب المنظومة التي تعرقل كل الإصلاحات وتجعل التغيير الجدي غير ممكن. «لا زلنا بحاجة الى المزيد من إنضاج طروحاتنا والمزيد من التكاتف لنكمل إرث الثورة ونسير به الى الأمام».
إصلاحي علماني
معروف من الناس
نائبة الثورة وإحدى أبرز ناشطاتها استطاعت حليمة قعقور أن تنقل طروحات 17 تشرين الجدية وأفكارها من الشارع الى قلب البرلمان. «مطالب ثورة تشرين لم تتركز حول رئاسة الجمهورية بل تمحورت حول الإتيان بحكومة انتقالية مع صلاحيات استثنائية ووزراء اصحاب خبرة، ومن ثم إجراء انتخابات نيابية مبكرة ليأتي بعدها المجلس النيابي المنتخب برئيس… أردنا رئيس حكومة جديداً من خارج الاصطفافات والانقسام العمودي بين ممانع وسيادي والمطلب ذاته ينطبق على رئيس الجمهورية. أن يأتي من خارج الخطين المتنازعين ليخلق الثقة عند الناس بعد أن تم تخويف كل طرف من الآخر وتصويره على أنه يشكل تهديداً وجودياً له».
ترسم نائبة التغيير صورة واضحة لرئيس الجمهورية المنشود: إصلاحي علماني لا يمثل المسيحيين فقط بل كل اللبنانيين ولا يعمل على تكبير حصته بل تكون لديه رؤية سيادية إصلاحية وأن يخلق نهجاً جديداً في التعاطي يمكن أن يلتف حوله الجميع.
ظهرت في الثورة شخصيات كثيرة تحمل هذه المواصفات والطروحات لكنها غير معروفة من قبل الناس وهؤلاء عامة لا يثقون بمن لا يعرفونهم. «زياد بارود طرح اسمه لأن الناس يعرفونه ويثقون به رغم معاتبتنا له على بعض الأمور». تجهيز القيادات، تؤكد قعقور، «يحتاج الى وقت وجهد وظهور إعلامي وهذه كانت من نقاط ضعفنا اثناء الثورة».
لو انتخب رئيس حينها كانت حتماً لتتغير أشياء ولكن التغيير كان يحتاج الى حكومة مع صلاحيات استثنائية وليس رئيساً فقط. كان بإمكانهما أقله اتخاذ خطوات تجاه المصارف والكابيتال كونترول وتوزيع الخسائر وتخفيف الإنهيار والحفاظ على أموال الناس. كانا حتماً قد بدآ بحلول سريعة للأزمة لكن التغيير الحقيقي هو تغيير للبنى الثقافية والاجتماعية عند الناس ومقاومة المخاوف والثورة على الذات، وهذا مسار يحتاج الى قادة رأي وقيادات جديدة.
رئاسة فارغة
سامي صعب المدير الفني للثورة، إذا صح القول، وواضع أبرز شعاراتها والشخص ومخطط نشاطاتها الشعبية يقول إن «الإتيان برئيس لم يكن وارداً حينها لا بل حتى لو وجد من يملك كل مواصفات الرئيس لنصحته إلا يترشح. فمنصب رئيس الجمهورية وصلاحياته فارغة كلياً وهذا الفراغ بدأ مع الطائف وترسخ في اتفاق الدوحة. حتى الرئيس «القوي» لم يستطع أن ينجز شيئاً. الثورة كانت خطوة جميلة عفوية وارتجالية جاءت تعبيراً صادقاً عن آمال الناس ومخاوفهم لم تملك خططاً واستراتيجية، تم استغلالها وإدخالها في زواريب ضيقة. لم تفرز الثورة اسماً لأن المشكلة في النظام لا الأسماء».
بصراحة يعترف صعب أن الثورة كانت ردة فعل ولم يكن لديها مشروع للمرحلة القادمة لم تكن قادرة أن تنتظم وتفرز قيادة وأسماء في حين أن المنظومة كلها توحدت ضدها. لكنه يقترح اسم الجنرال مارون حتي الذي كان عسكريا حينها لكونه يتمتع بمواصفات يحتاجها الرئيس، مثقف، حضاري ليبرالي وسابق لعصره. حتى من خارج دائرة الموارنة ثمة اسماء كانت توحي بالثقة مثل فادي نحاس لكن النظام مضروب الى درجة أن لا احد مهما ارتقت مواصفاته يمكنه أن يحدث فيه خرقاً لا بل سيبدو فاشلاً وغير قادر على الإصلاح.
مشكلة لبنان أنه دوماً يسعى لإيجاد الحل عند الاستحقاقات بدل التفتيش عنه قبل الوصول اليها، يجب التفكير بنظام جديد للبلد حين يكون البلد بألف خير. الثورة كانت فرصة بعد أن تداعى كل شيء لبناء الوطن والرئيس الذي كان سيأتي لإعادة البناء بدل التفتيش عن نظام جديد قابل للحياة كان سيعيدنا الى الوراء بدل النظر الى الأمام.
رئيس entrepreneur
سمير صليبا ابن الثورة الذي ترشح عن دائرة المتن الشمالي في الانتخابات النيابية باسم التغيير يؤكد ما أجمع عليه كل من شارك فيها: المطالبة برؤية جديدة للبلد. فالثورة لم تطرح موضوع رئاسة الجمهورية كانت بعيدة كلياً عن الأمر حملت مطالب واضحة تختص بمكافحة الفساد وتعزيز القضاء وووضع مصلحة البلد فوق المصالح الشخصية. طالبت بإسقاط الحكومة والاتيان باختصاصيين نزيهين لم يتورطوا بالفساد وطرحت حينها اسم نواف سلام كرئيس للحكومة.
صليبا لا يخشى طرح اسماء يتصورها تصلح لرئاسة الجمهورية وكان يمكن للثورة أن تعمل معها اسماء لرواد أعمال معروفين مثل كارلوس غصن أو نعمت فرام يملكون رؤية اقتصادية ويعرفون الى أين يقودون البلد. لو انتجت الثورة رئيساً بهذه المواصفات لكنا وصلنا الى مطرح آخر تماماً وليس الى اسوأ أزمة مالية عرفها التاريخ. الرئيس الخارج من رحم الثورة كان ليوقع على التشكيلات القضائية أولاً وليحيط نفسه بأصحاب اختصاص يضعون خططاً اقتصادية دون أن يخضعوا لتأثير الطاقم السياسي الموجود والأهم من ذلك كان ليطبق الدستور. لكن للأسف الرئيس وحده لا يكفي فإن لم يأت مع مجلس نيابي قوي ورئيس حكومة متجانسة لا يستطيع شيئاً. أضعنا على نفسنا فرصة لا تعوض، كان يمكن بسهولة أن نخرج بلدنا من التعثر بإدارة مختلفة جديدة ذات رؤية واضحة لكننا تركنا المنظومة تنهب البلد وتعيد تكوين نفسها من جديد. ولمسنا لمس اليد كيف منعت الوصول الى الكابيتال كونترول وحمت رياض سلامة وتركت البلد ينهار…