IMLebanon

الانتفاضة بوجه «أحكام العسكرية» لمواجهة محور حزب الله

توقيت مُريب لإصدار حُكْم سماحة وتعديل الصلاحيات قضية ريفي الأولى

الانتفاضة بوجه «أحكام العسكرية» لمواجهة محور حزب الله

المطالبة بمعيار قضائي واحد يعني مساواة الموقوفين الإسلاميين بمعادلة سماحة لحظة صدور أحكامهم

حُكْم المحكمة العسكرية في حق الوزير والنائب السابق ميشال سماحة، مستشار الرئيس السوري بشار الأسد، والذي شكّل صدمة في الأوساط السياسية والقانونية والشعبية، لجهة صدوره مخففاً، بسجنه أربع سنوات ونصف السنة بجرم «محاولة القيام بأعمال إرهابية والانتماء إلى مجموعة مسلحة» في قضية نقله متفجرات من سوريا إلى لبنان، لا يمكن إلا أن يكون وليدَ توجيهات سياسية – عسكرية جاءت تلبية لمطلب الأسد، وفق اقتناع مصادر قيادية في «تيار المستقبل»، وإنْ كانت ثمة تساؤلات، لدى بعض الدوائر، عمّا إذا كان هناك «دور ما» للمخابرات الفرنسية في مكان ما، نظراً إلى ارتباط سماحة القديم بالأجهزة الاستخباراتية الفرنسية، ولعبه دوراً بارزاً على المسرح الاستخباراتي – الأمني بين فرنسا وسوريا لفترات طويلة.

فالحُكم الذي صدر في هذا التوقيت، بمحاكمة سريعة لم تستغرق سوى جلستين، جاء في لحظة تحوّلات إقليمية كبيرة أرخت بثقلها بعد «عاصفة الحزم» على المشهد السوري، بفعل حال الإرباك الذي يعيشه نظام الأسد وحلفاؤه منذ أسابيع مع الهزائم العسكرية المتتالية، سواء في الشمال، ولا سيما في إدلب وجسر الشغور، وامتداداً إلى حلب واللاذقية وحماة أو في درعا والجبهة الجنوبية، وسط ارتفاع منسوب الكلام عن انهيار قدرات الجيش، الذي شكّل بدوره مفاجأة للمعارضة السورية التي لم تتصور أن تكون قوات النظام والميليشيات الداعمة لها قد وصلت إلى هذا الحد من الاهتراء.

حُكم أُريدَ له بالتالي أن يحمل رسائل عدة، منها أن الأسد، عبر حلفائه ووكلائه، لا يزال يتمتع بنفوذ في لبنان، وحاضر في صلب المعادلة اللبنانية والنظام الأمني – العسكري – القضائي الذي بنته الوصاية السورية، وقادر على نقل تداعيات ما يجري في سوريا إلى لبنان وتفجير الساحة الداخلية. رسالة في توقيتها تزامنت مع انعقاد قمة «كامب ديفيد» التي ذهب إليها القادة الخليجيون بتحالف عسكري تقوده المملكة العربية السعودية مباشرة، لا  وكالة، دفاعاً عن الأمن القومي الخليجي والعربي وبقرار واضح على مواجهة النفوذ الإيراني من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان، وتوجس مما ستخرج به من تفاهمات كبرى ستكون سوريا في صلبها، ومصير رأس نظامها على المحك، لا سيما أن القناعات باتت راسخة, لدى مختلف القوى الإقليمية والدولية, أن لا مكان للأسد في مستقبل سوريا.

ولعل الأخطر أن الحُـكْم جاء في لحظة داخلية مأزومة، حيث يتعرّض فيها الموقوفون الإسلاميون إلى شتى الضغوط في سجن روميه بغطاء سياسي من أهل «البيت السني»، يوفره وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي كان، في يوم من الأيام، يُحسب على صقور «تيار المستقبل»، في مواجهة فجور «حزب الله»، فإذا به يضرب بيد من حديد في قلب البيئة السنية رفضاً لجرّها  إلى  مشاريع  ومخططات التطرّف والتشدّد، في وقت تضيّق استخبارات الجيش والأجهزة الأمنية الخناق على تلك البيئة الحاضنة للثورة السورية أو المتأثرة بالمدّ الصاعد للتنظيمات الإسلامية، فيما ميليشيات «حزب الله» تسرح في المناطق اللبنانية تحت مسمى «المقاومة»، وتخوض، من الأراضي اللبنانية الحدودية،  حرباً على مرأى من المؤسسات الشرعية السياسية والعسكرية والأمنية.

من هذه الزاوية، استشعرت قوى الرابع عشر من آذار، وفي مقدمها الزعامة السنية الأولى بالقلق من الحُكم الذي أتى ليغذي حال الاحتقان القائمة، وينمّي مناحي الفتنة المذهبية، ذلك أن حكم سماحة ما كان ليصدر لولا سطوة «حزب الله» على المحكمة العسكرية، فكان أن تصدّى على الفور اللواء أشرف ريفي للحُكم، ليس فقط من موقعه كوزير للعدل، بل من كونه أحد الذين  تصدوا لمؤامرة سماحة – علي المملوك ودفعت طرابلس ضريبة مواجهة المخطط السوري، كما دفعت شعبة المعلومات رَجُلها الأول ثمناً لذلك. وهو سيمضي قدماً في التصدي للحُكم ومراميه.

المواجهة المرتقبة ستكون على محورين: الأول، العمل على تعديل قانون المحكمة العسكرية لحصرها في القضايا العسكرية وعدم محاكمة مدنيين أمامها، وإنشاء محكمة متخصصة بالجرائم الكبرى والإرهابية، التي فتحت على مصراعيها مع صدور هذا الحُكم، رغم أن المتابعين للموضوع يدركون أن المعركة طويلة وتحتاج إلى موازين قوى مؤاتية وإلى قوانين تشريعية في مجلس النواب المعطل في الوقت الراهن.

أما المحور الثاني، فعنوانه مواجهة سياسية – شعبية من أجل رفض أن تكون هناك معايير مختلفة في القضاء، ووجوب أن يعمل القضاء وفق معيار واحد، الأمر الذي يعني أن «معادلة سماحة – الموقوفين الإسلاميين» هي المعادلة التي ستتحكم بمسار الأحكام التي يُنتظر أن تصدر في حق مئات من الموقوفين، والتي لم يعد من وقت بعيد لها لتبصر النور.

على أن السؤال – التحدّي يكمن في ما إذا كان تيار الحريري، بما يمثل من خط اعتدال، قد نجح في سحب البساط من تحت أقدام التيارات الإسلامية التي كان مُنتظراً أن تقوم بردّات فعل على كل ما يلحق بها من «ظلم» وكيل بمكيالين، وتالياً احتواء التداعيات التي قد يؤول إليها هذا الحكم بخلفياته السياسية والأمنية وتأثيراته على السلم الأهلي الذي يحرص الحريري وفريقه ومعه قوى 14 آذار على اعتباره أولوية، ولكن ليس بأي ثمن!