IMLebanon

إنتفاضة الحزم… بداية الانقلاب

إنتفاضة الحزم… بداية الانقلاب

العربي الحقيقي على أوضاع المنطقة

أين هي الولايات المتحدة مما يجري في هذه الأيام في هذه المنطقة؟

 أين موقعها الحالي، من أعداء الأمس وكيف هي أحوالها الحالية مع أصدقائها وحلفائها الذين سبق لها أن واكبتهم بقدر ما هم قد رافقوها وواكبوا وناصروا أهدافها وسياساتها وتحكموا بثرواتها.

أين هي الولايات المتحدة وأين موقعها الحالي منذ اندلاع أحداث الربيع العربي وتفلّت الضوابط والأوضاع في سوريا والعراق، وتفتق سياسات الرئيس اوباما عن « عبقريات » مستحدثة ناصرت من ناصرت وتلكأت عن مواكبة الأوضاع، بما تستحقه من تبصر ومتابعة وحزم حتى اوصلت المنطقة إلى هذا الخراب والدمار الذي يسودها في هذه الأيام شديدة الخطورة والحساسية.

 وبصرف النظر عن تفاصيل الأحداث المستجدة وعن الانتفاضة المباركة التي تقودها في هذه الأيام، المملكة العربية السعودية من خلال التحالف المجابه لإيران وللحوثيين ولخلفيات المواقف الأميركية وحقيقة مكنوناتها في اليمن وفي المنطقة، ها هي الأمة العربية بأغلبية انتشاراتها وانتماءاتها السياسية، تدفع ثمن التصاقها الشديد بالولايات المتحدة على مدى واسع من الزمان، ولا نعني بذلك علاقاتها التآلفية بل وحتى التحالفية التي عمدت بعض البلدان الصديقة للولايات المتحدة إلى عقدها وإقامتها معها، كما هو الحال ما بينها وبين بعض البلدان الدائرة في الفلك الأميركي، حيث لا يخفى على أحد عمق العلاقات والإرتباطات والمصالح الكبرى التي نشأت ونمت وتطورت ما بينها وبين تلك البلدان، فكانت الحاكمة بأمرها الأوحد كقطب دولي ممسك بمجمل العلاقات المتشاركة والمتشابكة ما بينها، وبالرغم من أرجحية الأثر والتأثير الأميركي في مجمل تلك العلاقات، المؤطرة بجملة من الأحلاف العسكرية والمعاهدات المستتبعة، فإذا ما طاول الخلل أياً من الخطوط الحمر التي اعتمدتها الولايات المتحدة، دقت أجراس الخطر، وقامت القيامات حتى عودة الأوضاع إلى الحدود الدنيا المرسومة والمفروضة.

 أما البلدان العربية التي التصقت بالولايات المتحدة التصاقا شبه عضوي، حتى لبات موغلا في طول تلك البلاد وعرضها، ممسكا بسياسات بعضها وبثرواته وبكل شأنه التسليحي وسياساته الدفاعية، وأنشأ فيه جملة من القواعد العسكرية، لعلها أهم ما أنشأه الأميركيون على امتداد العالم بأسره، وراعوا السياسة الأميركية مراعاة تفوق غالبا مراعاتهم لذاتهم ولمصالحهم، ولم يسعوا إلى تحالفات جدية ومتوازنة تقوم في ما بينهم، توحد صفوفهم وكلمتهم ومواقفهم، فكانت هذه سيرتهم وسياساتهم في علاقاتهم مع قضيتهم الأم، قضية فلسطين، واستمروا على مثل هذا النهج في كل قضية نشأت في ما بينهم ومن حولهم وطاولت مصالحهم العليا وتجاوزت حدود المصلحة إلى حدود تهديد الكيان والوجود على النحو الحاصل في هذه الأيام، حتى بات الخطر الشديد يداهم كل قطر عربي، مستغلا ثغراته وعلاقاته المهتزة وأحيانا السيئة مع نظرائه في العالمين الإسلامي والعربي. ها نحن إذاً في أشد الأوضاع حدة وحرجا، وها نحن الآن نكتشف أن الولايات المتحدة، وبالخصوص هذا الرئيس الذي صادف وجوده في أشد أوقاتنا خطورة وانفتاحا على الإحتمالات السيئة، هي اللاعب الخطير الدائم بأوضاع المنطقة ومصيرها، وتجيء عاصفة اليمن الحازمة والمقاتلة، حدثا مستجدا وجديدا من نوعه وأثره في العالمين العربي والإسلامي، له معالمه ومقدماته ودوافعه المستقلة والمبتعدة إلى حدود كبيرة بأوضاع الولايات المتحدة مع المنطقة وهيمنتها المستدامة التي لطالما نفذت مصالحها ومصالح اسرائيل، وأهملت المصالح العربية بكل جهاتها وفئاتها الحليفة والمعادية. وتمادت في ذلك إلى الحدود التي نفضت منها أياديها من كل هذه المنطقة وكل التحديات والمخاطر التي تواجهها نتيجة لإرتباطها بالسياسة الأميركية. وكانت واضحة بتوجهاتها نحو تركيب جملة الخرائط السياسية والنفوذية التي افردت منها أدوارا محددة لكل العناصر غير العربية في المنطقة مهملة، أي أثر مهم للعرب وبلدانهم وشعوبهم، وها هي الأصابع الأميركية واضحة المعالم في تحريك السياسات والأحداث المفتعلة وتعقيد خرائط التصادمات ووضع الخرائط التفسيخية والتقسيمية، وفي الوقت الذي قامت فيه الجيوش الأميركية بأقسى وأرهب الحروب ضد بلدان أرادت دمارها وخرابها، كالعراق بالتحديد، بأسباب اختلقتها وصنعتها وكونت إتهاماتها بأكاذيب اخترعتها وافتعلت لها أسبابا سريعا ما تبين افتقادها إلى الصحة، حيث صورت العراق في حينه، بلد الإرهاب الأول، وبلد الأسلحة النووية والكيمياوية والدمار الشامل عموما وفي ظرف أسبوعين أو ثلاثة، قضت على جيشه الذي كان مقتدرا وجرارا، وتركته نتفا من جيش مهزوم ومقهور، وسريعا ما طاوله قرار أميركي بالحل والتسريح، واستبدل بجيش صوري غمره الفساد والتخاذل، فسيطرت عليه قوى ميليشياوية واستغلت ثغراته وعثراته انتهجت فيه سياسة الظلم والتمذهب والتفريق إلى حد تحقيق حكايته وحكايتنا المأساوية مع نشأة «داعش»، فإذا بنا نجد أن الأصابع الأميركية، إما أنها كانت محركة ومتحركة ضمن الساحات العربية، وإما أنها مستغلة وعابثة بنتائج أي حراك عربي قائم نتيجة لسياسات القهر والعبث بالتناقضات السكانية والطائفية والمذهبية. وها هو أوباما، منع وما زال يمنع، أي تدخل فعال ضد النظام السوري بعد أن أوهم العالم أنه على أبواب التدخل العسكري الفعال في سوريا، وها هو بالأمس يصرح متسائلا بكل «براءة»، لماذا لا يعمد العالم العربي لمحاربة النظام السوري وإسقاطه، وهو تساؤل العارف لحقيقة الاوضاع التي تشارك الولايات المتحدة من صناعتها وصياغتها ومنع القرارات العربية بصددها عن التنفيذ والتحقق، ها هو يوهم العالم من جديد بأنه يقوم بحرب ضد الإرهاب جمع لها ما يقارب الثمانين دولة مختلفة الأشكال والأوزان، وقد ساهمت الولايات المتحدة فيها بإشراك قليل من الطائرات الأميركية وقليل من الطلعات الجوية، وأدخلت إليها بصورة شديدة الخبث، قوى متناقضة ومتناهضة لم يكن بالإمكان إشراكها معا لولا سياسة الضحك على الذقون، التي يمارسها أوباما علينا جميعا. ويبدو أن «عاصفة الحزم» التي أطلت إلى الوجود، تظهر للملأ العام أن ما هو حاصل، هو انتفاضة ضد هذا الاستفراد والإستغلال الأميركي لنقاط الضعف العربية التي لم يكن من سبيل إلى ضرب توجهاتها وتصحيح أوضاعها الاّ من خلال هذه الإنتفاضة المنطلقة من المملكة، تؤيدها معظم شعوب وأنظمة العالم العربي، وتؤكد بأن للعرب كلمة وموقفا وموقعا لا يمكن تجاهله. وأنهم مستعدون لكل احتمالات المواجهة بما فيها الحرب. وها هم اليوم في صلب انطلاقاتها المعبرة والواعدة، والساعية في الواقع إلى إعادة الأمور إلى نصابها وعقلانيتها واستقرارها في اليمن وفي مجمل المنطقة، وإن تم ذلك من خلال سياسة المجابهة والصمود والتصدي التي أثبت تفاقم الأوضاع أنه لا بد منها.