IMLebanon

المسار التصاعدي للحرب  والمسار الانحداري للحل

الموفد الدولي ستيفان دي ميستورا محكوم بالدوران حول حرب سوريا التي تقترب من بدء عامها الخامس. كل ما حمله منذ تسلم مهمة مستحيلة هو الرهان على تجريب حظه بعدما خرج كوفي انان ثم الاخضر الابراهيمي من اللعبة. وليس لديه في الجولة الحالية التي تقوده الى دمشق سوى تكرار ما يشبه قصة حصرم في حلب. فلا هو جيء به لتسوية الأزمة التي لم تصبح متاحة بعد. ولا ادارة الأزمة متروكة له. لكنه يتحرك ليوحي للمجتمع الدولي أنه حاضر.

وما حدث هو أن محاولات البحث عن الحل تصغر بمقدار ما تكبر الأزمة. وأهوال الحرب تتعاظم بمقدار ما تزدادد أعداد الأطراف المشاركة فيها، مباشرة أو عن كثب، بالمال والسلاح أو بالمواقف. فلا هي حرب السوريين وحدهم. ولا الحل السياسي أو العسكري في أيدي السوريين وحدهم. وأخطر ما جرى للأزمة التي طالب المتظاهرون سلمياً بحلها عبر الانتقال الديمقراطي للسلطة هو إغراقها بصراع دموي جيوسياسي اقليمي ودولي وادخال كل عناصر الارهاب فيها وصولاً الى داعش.

ذلك ان المسار الانحداري لمحاولات البحث عن حل بالغ التعبير. فالموفد الأول كوفي انان تمكن، وقت كان وقف النار ممكناً والقتال محصوراً بطرفين، من الحصول في حزيران ٢٠١٢ على بيان جنيف-١. وفي البيان الذي تبناه مجلس الأمن حدد الكبار اطار التسوية ضمن هيئة حكم انتقالية بصلاحيات كاملة وتضم ممثلين عن النظام والمعارضة والمستقلين. لكن الذين صاغوا البيان لم يدعموا تطبيقه أو اختلفوا على تفسيره، فاستقال انان. والموفد الثاني الاخضر الابراهيمي أصر على شمولية التسوية ونجح في التحضير لمؤتمر جنيف-٢ بحضور كل الأطراف، ليكتشف ان الفشل هو المقرر عملياً، فاستقال.

اما الموفد الثالث دي ميستورا، فإنه بدأ المسعى تحت سقف منخفض: تجميد القتال في حلب. كان السؤال في محادثاته عن المساحة الجغرافية للتجميد: مدينة حلب أو المدينة والريف؟ وأما المقترح اليوم فانه محصور لوقف النار في حيين من حلب هما صلاح الدين وسيف الدولة. ومن الصعب، مع تعدد الجهات المعنية، ضمان وقف النار حتى في حي صلاح الدين.

والمخيف ان اللعبة صارت اكبر من اللاعبين. والمقلق هو التركيز على الحسابات الاستراتيجية من دون اهتمام يُذكر بالمأساة الانسانية المرعبة. مفهوم ان الصراع الجيوسياسي في سوريا وعليها هو في الشرق الأوسط وعليه. لكن من غير المفهوم ولا المقبول النظر بدم بارد الى مأساة هائلة: نصف الشعب السوري نازح، ثمانية ملايين في الداخل ونحو أربعة ملايين في الخارج. فلا الناس كائنات استراتيجية. ولا معنى لأي ربح فوق دمار العمران وخراب النسيج الاجتماعي الوطني.