IMLebanon

الحل العاقل لسوريا وبشَّار

يوم الأربعاء 21 تشرين الأول 2015 زار الرئيس بشَّار الأسد موسكو، بدل أن يأتي الرئيس فلاديمير بوتين إلى دمشق من أجل أن يتفقد أحوال الرئيس الوحيد في العالم العربي الحليف له المحتفظ بالعلاقة القائمة على معاهدة وقَّع عليها سابقاً والده الرئيس (الراحل) حافظ الأسد في زمن الأتحاد السوفياتي الشيوعي نظاماً وعقيدة وثبتَّها من جانبه بعد الزيارة الأولى له إلى روسيا المنقلبة على النظام والعقيدة (24 – 27 كانون الثاني 2005) وزادها تثبيتاً في زيارته التالية (18 – 19 كانون الأول 2007). وفي الزيارتيْن كان لدواع لم يفصح عنها يدعو إلى دور روسي فاعل في المنطقة.

بعد الذي أعقب الزيارة وإنخراط روسيا في الأزمة السورية جواً وبحراً بات من الطبيعي الإستنتاج أن الرئيس بشَّار ذهب ليقول للصديق الروسي كوْن الصداقة معه أكثر عراقة من الصداقة مع إيران إنه يرى أن النهج الإيراني يطيل الأزمة ولا يحلها وأن نظامه بات لا يتحمل التسويف ولا بدّ من حسْم عسكري للمسألة يجعل إيران رقماً آخر وليس وحيداً ويساعد الحسْم على تحقيق تسوية سياسية.

موقف الرئيس بوتين كان مثل الذي ينتظر الطلب لكي يلبي، وهو فعل ذلك وكان على درجة من السخاء إذ أن أسراباً من الطائرات باتت إما في طريقها إلى الأجواء السورية وإما رابضة في قواعدها في إنتظار إصدار الأوامر لها بالتوجه إلى فضاء المعركة. ولأنه يُدرك ما الذي يمكن أن يصيب روسياه في حال أرسل قوات برية، فإنه إكتفى بالنجدة الجوية وأعقبها بنجدة بحرية وبمئات من المستشارين الذين بدأوا دوراً يتقاطع مع المستشارين الإيرانيين لكنه لن يحسم في أي حال.

هذا الإنخراط الروسي عسكرياً في الأزمة أقلق النظام في إيران خصوصاً بعدما تزايدت المعلومات التي تتحدث عن إنزعاج في أوساط الحلقات المدنية والعسكرية المحيطة بالرئيس بشَّار من التعاطي الإيراني مع الأزمة وكيف أن إيران تقطع الطريق على أي محاولات لتسوية الأزمة تأتي من أطراف عربية ودولية. وهي تفعل ذلك لأنها تخشى من أن يستبق التسوية تفعيل الإتفاق النووي الذي تمّ إبرامه مع الدول الكبرى الخمس + المانيا.

ولأن الرئيس بوتين يحتاج إلى إيران ويريد سماع كلام صاحب القرار الذي هو المرشد علي خامنئي وليس كلام الرئيس حسن روحاني أو وزير الخارجية محمّد جواد ظريف أو جنرال الحرس الثوري سليماني الممسك بالملف السوري، فإنه زار هو بنفسه إيران وسمع خلال مقابلة مع المرشد خامنئي إستغرقت ساعة ونصف الساعة الجزء الأكبر منها للترجمة، من الكلام ما يجعله يبني موقفاً جديداً.

ربما نجد مَن يقول إن بوتين لم يزر دمشق لأسباب أمنية وأنه زار طهران لأن السلامة مضمونة. ولكن حقيقة الأمر أن زيارة إيران هي في النهاية على حساب بشَّار الأسد وليست من أجْله وأن إطالة الأزمة ليست لتأمين سفينة الإنقاذ للرئيس الذي ورَّطاه أو رمى نفسه في حضنيْن لا يعنيهما سوى وضْع اليد على سوريا. ولأن الأمور سارت في إتجاه أن طرفاً واحداً لا يمكنه ذلك فإن لقاء خامنئي – بوتين في طهران هو لإقتسام دور الهيمنة على سوريا بحيث تكون لروسيا حصة في اليد اليسرى ولإيران حصة في اليد اليمنى. ومن الآن وحتى نضوج مهرجان الإقتسام يبدأ كل مقتسم تأمين جماعاته في القطاعيْن المدني والعسكري. وأما بالنسبة إلى رأس النظام الحالي (بشَّار الأسد) ومن يلوذ به فهذه مسألة لا نظن أنها تشغل بال المرشد الإيراني و«القيصر» الروسي.

إزاء ذلك ما الذي يمنع الرئيس بشَّار من قلْب الطاولة وبعثرة أوراق اللذيْن يخططان، وربما إتفقا، لتقسيم سوريا بينهما.

في إستمرار كنا نتمنى على الرئيس بشَّار أن يضع مصيره في الخيمة العربية وتحديداً لدى أبناء جلدته العرب. وها نحن مرّة أُخرى نتمنى له وعليه ذلك. وفي إعتقادنا أنه إذا قام فجأة بزيارة إلى القاهرة تكون مثل تلك الزيارة التي قام بها إلى موسكو يوم الأربعاء 21 تشرين الأول 2015 فإنه سيغيِّر مجرى المراهنات وخطط الإقتسام، إنما في حال قال من خلال مؤتمر صحافي يعقده في رحاب الجامعة العربية: هنا تبدأ التسوية. وهنا نتبادل الإعتذارات. وهنا تبدأ مسيرة إعادة البناء. وهنا تنطلق إشارة قيام سوريا العربية… ولا شيء غير العروبة.

نقول ذلك على أساس أن التاريخ يرحم ولا يرحم. يرحم العاقل الذي يريد خيراً لبلده ولا يرحم المعاند الذي يتعامل مع الوطن كأنه لعبة ويتسلى بمآسي الشعب في ساعات الضجر.