مهمّات ملحّة تنتظر العهد والحكومة الجديدة لإعادة النهوض بلبنان
ترسيخ الأمن والإستقرار وإعادة ثقة اللبنانيين بدولتهم وتطبيع العلاقات مع العرب والخارج
«هناك العديد من المشاكل التي ستواجه الحكومة العتيدة وفي مقدمتها إعادة تحريك وإنعاش الوضع الاقتصادي الذي شهد جموداً في السنوات الماضية»
تتسارع وتيرة المشاورات والمساعي المبذولة بين كل الأطراف السياسيين لتسهيل ولادة الحكومة المرتقبة في غضون الأيام القليلة المقبلة، للتأكيد على المناخ التوافقي الذي يظلل العلاقة بين كل المعنيين بالتشكيلة الحكومية والاستفادة من عوامل الاحتضان الشعبي والدعم العربي والدولي للتطورات الإيجابية التي تحققت من خلال إنهاء الفراغ الرئاسي المتواصل منذ عامين ونصف وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ولا شك أن إنجاز الإعلان عن التشكيلة الحكومية الجديدة برئاسة الرئيس سعد الحريري في وقت قريب كما تدل مؤشرات ووقائع مساعي تشكيل الحكومة الأولى في العهد الجديد، يعتبر أنجازاً مهماً وعاملاً أساسياً للإبقاء على زخم الاندفاعة التي قوبلت بها التغييرات التي حصلت في لبنان مؤخراً والانطلاق من خلالها لمباشرة الحكومة بورشة إعادة النهوض من كبوة الفراغ الرئاسي وتداعياتها السلبية والبدء بتفعيل عمل المؤسسات وإعادة العافية والتماسك لكافة إدارات الدولة والاهتمام بمطالب المواطنين الحياتية والضرورية التي باتت تتطلّب إهتماماً إستثنائياً وعاجلاً بعد تراكمات الإهمال وعدم القدرة على معالجتها، لا سيما منها إيجاد الحلول المطلوبة لمشاكل النفايات والكهرباء والمياه وتردي الخدمات الضرورية في العديد من المصالح والقطاعات الحيوية وترسيخ الأمن والاستقرار ومواجهة كل ما يعرّض أمن لبنان وسلامة اللبنانيين للخطر.
وهناك العديد من المشاكل المهمة الأخرى التي ستواجه الحكومة العتيدة وتعد من اولوياتها وفي مقدمتها، إعادة تحريك وانعاش الوضع الاقتصادي الذي شهد جموداً ملحوظاً في السنوات الماضية بفعل التأثيرات السلبية للحرب السورية وتردي العلاقات اللبنانية بدول الخليج العربي وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية وبسبب تدخل «حزب الله» بالحرب في سوريا واتهامه بارتكاب أعمال ارهابية في العديد من هذه الدول لصالح إيران.
فالمهمة الأولى للحكومة الجديدة هي العمل على إعادة الثقة المفقودة بين كل الأطراف التي ستضمهم حكومة الوحدة الوطنية بعد مرحلة من إنعدام الثقة بفعل الخلافات السياسية الداخلية من جهة وتصاعد وتيرة الخلاف السعودي الإيراني في المنطقة من جهة ثانية، لأنه من دون تحقيق هذه المهمة ولو بنسبة معينة، ولو كانت بحدها الأدنى، فهذا يعني استمرار التباعد والانقسام، وهذا بالطبع سينعكس سلباً على اتخاذ القرارات المطلوبة لحل المشاكل والقضايا التي تهم النّاس، وهذا ما يرفضه معظم الأطراف السياسيين بعد إنجاز التسوية السياسية التي أدّت إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وشبه الإجماع على تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة الأولى في العهد الجديد.
اما المهمة الثانية، فهي إعادة ترميم وتقوية علاقات لبنان بالدول العربية وفي مقدمتهم الدول الخليجية وإزالة كل الشوائب التي تعتري هذه العلاقات التي تضررت كثيراً في السنوات الأخيرة، وهذا يتطلب العمل على وقف كل حملات التحريض والتدخل والاستهداف التي يقوم بها «حزب الله» وأدواته ضد هذه الدول انطلاقاً من لبنان، وقد تكون هذه المهمة ممكنة في حال تجارب الحرب مع مصلحة لبنان واللبنانيين، أو انها ستلاقي صعوبات وتعقيدات إذا بقي لبنان منصة يستعملها الحزب ضد الدول العربية الشقيقة انطلاقاً من تبعيته وارتباطه بالنظام في طهران واستمرار مشاركته بالحروب الدائرة بسوريا والعراق واليمن وغيرهم.
ولذلك، لا بدّ من ترسيخ علاقات أهل السلطة بعضهم ببعض والاتفاق على تحديد مصلحة لبنان العليا، ومن خلالهما إعادة ثقة اللبنانيين بدولتهم وحكامهم ومسؤوليهم بعد ان اهتزت هذه الثقة وتآكلت بفعل تردي الأداء السياسي وتصاعد الخلافات الحادّة بين مختلف الأطراف السياسيين خلال مرحلة السنوات الماضية.
ومن دون تحقيق الحد الأدنى من هذه المهمات أو معظمها وهي مهمات ستواجه الحكومة العتيدة منذ توليها مهامها السلطوية، سيكون من الصعب إعادة النهوض بلبنان وإعادة تطبيع الوضع مع المحيط العربي، وهذا ما يعرفه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف والأطراف الآخرون، وهناك إصرار على مواجهة هذه التحديات والمهمات الصعبة مهما بلغت بالتفاهم في ما بينهم في سبيل إعادة النهوض بلبنان من جديد.