تساؤلات عدة واكبت اجتماع السفيرة الأميركية دوروثي شيا مع نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب في مقر المجلس الذي لا يبعد سوى أمتار قليلة عن مراكز ومكاتب لـ»حزب الله». فما هي قصة هذا الاجتماع؟ وهل ينطوي على دلالات استثنائية ام انّ سياقه طبيعي؟
بَدت زيارة شيا للمجلس الاسلامي الشيعي الأعلى أمس الأول لافتة بالنسبة إلى البعض، سواء لناحية رمزية الجهة الشيعية المعنية بها او لناحية جغرافيتها السياسية (منطقة نفوذ «حزب الله» المصنف «إرهابياً» من قبل واشنطن).
وعلى رغم العداء المستحكم بين «حزب الله» والولايات المتحدة، لم تجد شيا حرجاً في التوجّه إلى معقل الحزب في الضاحية الجنوبية، مرة أخرى هذا العام، للقاء نائب رئيس المجلس الشيعي، بعدما كانت قد قصدت المنطقة قبل اشهر للمشاركة في مراسم تشييع لقمان سليم في حارة حريك، ما يؤشّر إلى ان السفيرة تملك هامشاً واسعاً من الحركة، حتى داخل البيئة المعادية لها والتي تعتبرها ممثلة «الشيطان الأكبر» في لبنان.
ويبدو انّ شيا أرادت من خلال زيارة المجلس الشيعي على طريق المطار ان تعطي انطباعاً بأنها منفتحة على الجميع وتزور كل المرجعيات الروحية بلا استثناء، علماً انّ عنوان اللقاء مع الخطيب كان التعزية بوفاة رئيس المجلس الشيخ عبد الأمير قبلان.
ولكنّ اللقاء تجاوز بطبيعة الحال طابعه الاجتماعي حيث استحوذ ملف المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة الى جمعيات في المجتمع المدني على حيّز واسع من النقاش، خصوصاً انها تترافق مع التحضيرات للانتخابات النيابية التي تحظى باهتمام دولي عموماً، وأميركي خصوصاً، ما دفع قوى وشخصيات لبنانية عدة الى الارتياب في دوافع تخصيص جهات محددة في الـ»ngos» بامتياز الحصول على المساعدات الأميركية، علماً انه ليس خافياً ان أوساطاً دولية تأمل في أن يتمكن الاتجاه الذي يحظى بتأييدها في المجتمع المدني من الفوز بكتلة وازنة في المجلس النيابي الجديد لتعديل توازناته الحالية.
على وقع هذا «الارتياب»، شرحت شيا للخطيب كيف أنّ بلادها تقدّم مساعدات الى لبنان في مجالات عدة حتى تُعينه على مواجهة الظروف الصعبة التي يعانيها، فأبدى الشيخ الخطيب ترحيبا مبدئيا بأي مساعدات، لكنه شدد على وجوب ان تأتي وتوزّع عبر إدارات الدولة اللبنانية ومؤسساتها حصراً «وليس من خلال بعض الجمعيات كما يحصل حالياً»، مؤكدا انه لا يجوز استخدام تلك المساعدات الممنوحة الى جهات غير رسمية لشراء الاصوات او لقلب موازين القوى الانتخابية.
لكن شيا نَفت للشيخ ان تكون هذه هي النية المضمرة خلف المساعدات الأميركية، معتبرة انه ليست للجمعيات التي تحصل عليها اي علاقة بالانتخابات النيابية المقبلة.
وبينما خضعت زيارة شيا الى تأويلات عدة، ربطاً بطبيعة المكان والمُضيف، استغربت مصادر المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في المقابل التفسيرات المغلوطة لها، داعية الى إعطائها حجمها الطبيعي وعدم تحميلها أبعادا مبالغا فيها، «خصوصا انّ شيا كانت قد زارت المجلس من قبل، وهذه ليست المرة الاولى».
ولاحظت ان البعض استغلّ اللقاء بين السفيرة والشيخ لتحقيق امرين: الأول، التصويب على العلاقة مع «حزب الله» من زاوية الإيحاء بأنّ استقبال شيا في المجلس الشيعي ينطوي على خرق لبيئة الحزب، والثاني التصويب على الشيخ علي الخطيب نفسه سعياً الى حرق أي فرصة ممكنة امام تولّيه رئاسة المجلس الشيعي لاحقاً خلفاً للشيخ قبلان.
فكيف سيكون الرد على هذا الاستهداف ببُعديه السياسي والشخصي؟ تجيب المصادر باقتضاب قائلة: أفضل رد على تلك السخافات هو إهمالها وتجاهلها.