IMLebanon

الناطحة الأميركية والمتناطحون العرب

 

 

من هنا، من نيويورك، من ناطحة السحاب التي انتصبت مكان البرجين المدمَّرين بالهجمات العربية الإنتحارية في 11 أيلول 2001، فإذا هي الأعلى بين الناطحات، وأمامها أُقيم مربَّعٌ مائي شاسع حُفِرتْ على رخامياته أسماء ما يقارب الثلاثة ألاف شهيد، في بلد يعرف كيف يكرّم الشهداء كما يكرّم الأحياء، وكيف يخلق إنتفاضة حياة من الموت.

من هنا من نيويورك، من ناطحة العملية العربية الإرهابية، تتكشَّف العمليات الإرهابية نفسها التي تغزو العالم العربي، بالأسلوب العربي نفسه، وبالإرهابيين العرب أنفسهم حيث الناطحات العربية المتهاوية، والمدن العربية المهدّمة، والأبنية العربية المدمَّرة، والشعوب العربية المهجّرة، وحيث الشهداء يُطمرون أشلاءً بلا أسماء، والمواطنون يتشرّدون لاجئين أذلاء هرباً من مطاردة المقابر الباردة.

من هنا، من نيويورك من موئل «الإستعمار الغربي، والإستكبار الغربي، ومن موطن «الشيطان الأكبر» أُضيئَتْ ناطحة السحاب «أمبير ستايت» باللون الأخضر إحتفالاً بعيد الفطر، فيما راحت الشياطين العربية في عيد الفطر تخضِّب المساجد بالدم الأحمر وتعلن عن مسابقات في حفظ القرآن تكون الجوائز فيها «نساء سبايا» توزّع على الفائزين.

ثقافة التقوى القرآنية هذه، وصفَتْها دار الإفتاء المصرية بأنها تشكل تحقيراً للمرأة، من دون أن تلحظ دار الإفتاء أن في هذه الجوائز السبايا تحقيراً أيضاً للقرآن، ولله الذي خلق الإنسان على صورته والذي أنزل القرآن وبه أوحى.

نعم من هنا، من الشاهقة الأعلى التي انتصبت كالثأر الحضاري مكان البرجين المدَّمرين، ومن الطبقة الرابعة فيها بعد المئة والمطلّة على مبنى الأمم المتحدة، ترى ما لا يراه العرب وما عنه يتعامون. وتقرأ الإتفاق الذي دخلت بموجبه إيران النادي النووي العالمي، فترى معه دول المنطقة ترسم حدوداً جديدة لها بالجثث.

وتقرأ انعكاس الخطر، في الصحيفة الأميركية «بلومبرغ» التي كشفت عن لقاء إستخباراتي سعودي – إسرائيلي، وتسمع عن اللقاءات الخمسة بين البلدين وقد كشف عنها مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن بهدف مناقشة التهديد المشترك الذي تشكله الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة، وللأمير الوليد بن طلال بهذا المعنى واحدة من «المعلقات» في صحيفة «عكاظ».

هذا النوع من اللقاءات يبرّره خطاب الرئيس حافظ الأسد في 20 تموز 1976 حين كانت علاقة المسيحيين بإسرائيل نتيجة لما عانوه من إضطهاد فلسطيني وقهر عربي وبما كان ينذر بالخطر الوجودي.

آخر ما يطالعك هو تصريح المدير العام السابق لوكالة الإستخبارات الأميركية حين يعلن أن كلّا من العراق وسوريا سيختفيان عن خريطة الشرق الأوسط، وأن الدول العربية سينخفض عددها من 22 الى 20 دولة.

ومع الإكتفاء بهذا القدر من القراءات المثيرة، نوّجه الى العقل العربي في الإثنتين والعشرين دولة عربية ألف تحية إجلال وإكبار، وهنيئاً للأمة العربية الخالدة بهذا العقل، وعليها ألف سلام.