كما في واشنطن كذلك في طهران: سباق رئاسي لتسويق اتفاق فيينا. والأولوية طبعاً لمخاطبة المتشددين في الداخل. لكن خطاب الرئيس باراك اوباما الدفاعي بدا فلسفياً بارداً ومتلعثماً مقابل خطاب الرئيس حسن روحاني الواضح والقاطع في الحسم. روحاني قال بكل ثقة إن الاتفاق النووي نصر قانوني وتقني وسياسي لايران. واوباما حاذر الحديث عن نصر شخصي له مركّزاً على شيء من النصر السلبي لأميركا بالقول إنه اختار الديبلوماسية بدل الحرب لسد طريق طهران الى القنبلة النووية، ومطالباً المعارضين بتقديم البدائل.
والمفارقة الساخرة جاءت من وزير الخارجية الايراني الباسم الدائم محمد جواد ظريف الذي قاد وفد بلاده في المفاوضات وحظي باستقبال الأبطال في طهران. فهو كرر بعد الاتفاق ما ظل يقوله خلال المفاوضات: الاتفاق أنهى أزمة مفبركة افتعلها الغرب ورسم لها سياسات ومارس الضغوط والعقوبات في مجلس الامن وخارجه بحجة منع ايران من الحصول على ما ليس في خططها، أي السلاح النووي. وهذا بالطبع جزء من تاكتيك التفاوض. فلم يكن من الممكن أو السهل اقناع أية عاصمة في المنطقة والعالم بأن ايران استثمرت الكثير من الموارد والجهود وتحملت العقوبات الاقتصادية والمالية القاسية من أجل برنامج نووي سلمي فقط.
ولم يكن الرئيس الايراني، خلافاً للرئيس الأميركي، مضطراً لمخاطبة حلفاء بلاده في المنطقة. فهم يزايدون على طهران في أحاديث النصر. وهم واثقون من أن القضايا الاقليمية بقيت خارج التفاوض، وان التضحية بهم خارج الأجندة أما اوباما، فإنه استخدم ديبلوماسية الهاتف، وايفاد الرسل لطمأنة الحلفاء الى أن ايران لم تصبح الشريك الكامل لأميركا وأن الشراكة الاستراتيجية معهم مستمرة. وما ركز عليه في الخطاب هو أن ايران لا تزال تمثل تحديات لمصالحنا وقيمنا وتدعم الارهاب وتستخدم جماعات لزعزعة استقرار أجزاء في الشرق الأوسط. وحتى في ما سماه البناء على الاتفاق بمواصلة الحوار واعطاء الايرانيين حوافز ليتصرفوا بطريقة مختلفة في المنطقة وليكونوا أقل صدامية وأقل عداء وأكثر تعاوناً، فإنه سكب عليه ماء بارداً بالقول: لكننا لا نراهن على ذلك.
والسؤال هو: على ماذا يراهن اوباما؟ كيف يبدد شكوك الحلفاء في حرص اميركا على كسب الخصوم ولو بخسارة الاصدقاء؟ هل يترك الحلفاء لقدرهم كما فعل في الامتناع عن وضع حد للحروب في سوريا والعراق واليمن خوفاً من ازعاج ايران خلال التفاوض، أم صار راغباً في التحرك بعد الاتفاق؟
التجارب تعطي صدقية لقول الدكتور كيسينجر انه اذا كانت عداوة اميركا خطرة، فإن صداقتها مميتة.