زيارة وفد الكونغرس الأميركي استطلاعية ولا تُقدِّم أو تُؤخِّر
يبدو ان حالة «الستاتيكو» التي تحكم الاستحقاق الرئاسي ستطول، وأن العام الحالي سيأفل على استمرار الفراغ في قصر بعبدا، على أمل ان يحمل العام القادم من المعطيات ما يفيد بأن طبخة التسوية في المنطقة قد نضجت وأنه آن الأوان لكي ينتخب رئيس في لبنان ينتظم معه عمل المؤسسات ويعود الاقتصاد الى الاقلاع لتتحسن معه احوال الناس التي لم يعد لديها القدرة على تحمل وزر الازمة الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن نهب مقدرات البلد من جهة، والضغوط الدولية التي تمارس على لبنان من جهة ثانية.
من الثابت الى الآن ان الأفق الداخلي مقفل بالكامل أمام التفاهم على أي شخصية لتولي سدة الرئاسة، ومرد ذلك الى موازين القوى التي تتحكم بمجلس النواب والتي لا يمكن لأي فريق سياسي مهما كان حجمه ان ينفرد بقرار الانتخاب، من دون ان يحبِك تفاهمات مع قوى اخرى يشكل معها الثلثين لتأمين النصاب والانتخاب وفق ما ينص عليه الدستور.
والمتابع لمسار عمل اللجان النيابية او الجلسات العامة يدرك بشكل حسي وملموس أن هناك انقساماً حاداً تحت قبة البرلمان لا يمكن معه انجاز اي استحقاق رئاسي او حكومي او برلماني، وان مسألة التفاهمات تتطلب معجزة ما، او كلمة سر من وراء البحار تصل الى آذان المسؤولين وتحتم عليهم النزول عن الشجرة والخروج من وراء متاريس مواقفهم الثابتة والجلوس على طاولة حوارية تؤدي الى الاتفاق على ما هو موضع خلاف وفي مقدمة ذلك الانتخابات الرئاسية.
وثمة من يسأل انه ما دام الافق الداخلي مسدوداً، وما دام الجميع يعلم ان العامل الخارجي هو الناخب الاول في الاستحقاق الرئاسي، فلماذا لا تفتح النوافذ على الخارج للمساعدة على الخروج من المأزق؟.
تجيب مصادر سياسية عليمة على هذا السؤال بالقول انه صحيح ان العاملين الاقليمي والدولي لهما دور فعّال في أي استحقاق لبناني نظراً للتركيبة السياسية الموجودة، وأنه لطالما كان الخارج يساعد على حل مشاكلنا في الداخل، غير ان الظروف الحالية مختلفة كلياً عن السابق، فالدول التي كانت تعتبر لبنان أولوية على أجندتها الخارجية، هي الآن غارقة في كم هائل من المشاكل إن على مستوى الدائرة بين روسيا وأوكرانيا والتي تطال شظاياها العديد من الدول، او على مستوى المشاكل الاقتصادية التي تضرب العالم طولاً وعرضاً منذ بداية «كورونا» الى اليوم، وهذه الدول حيال هذا الواقع لا تجد ان هناك ما يجعلها تنصرف عن معالجة مشاكلها لكي تهتم بمشاكل لبنان، علماً أن هناك بعض الدول التي كانت صادقة في تعاطيها مع لبنان من خلال اسداء النصائح بضرورة ان يساعد اللبنانيون انفسهم ويتكاتفوا لحل مشاكلهم قبل ان ينزلق بلدهم الى الهاوية، غير أن المسؤولين في لبنان لطالما اداروا الأذن الصماء لهؤلاء وتعاطوا مع المسائل بنوع من اللامبالاة وصل بنا الامر الى ما نحن عليه.
ماكرون وبايدن يقاربان الملف اللبناني من باب إمكانية حياكة تسوية شاملة للمنطقة ولا حلَ منفرداً
ولا تخفي المصادر ان باريس، وتحديداً الرئيس ايمانويل ماكرون ما زال يعطي حيزاً من اهتمامه للوضع اللبناني من منطلق الحرص الفرنسي على عدم انهيار هذا البلد والمحافظة على صيغته الفريدة، ولذا فإن الرئيس الفرنسي ما زال يثير الوضع اللبناني مع اي مسؤول يلتقيه علّه ينجح في تأمين الظروف الملائمة لإخراج لبنان من مأزقه، على الرغم من الازمات التي تعصف بالمنطقة والتي تتقدم على الملف اللبناني بأشواط واذا كانت المصادر تعوّل على أي لقاء دولي يكون لبنان حاضراً على طاولة البحث فيه، غير أنها لا تتوقع أن تحمل القمة الأميركية – الفرنسية بين الرئيس جون بايدن وايمانويل ماكرون اية حلول سحرية للبناني، وان الوضع في لبنان لن يكون اساسياً في هذه المباحثات، خصوصاً وأن الجانبين يدركان بأنه لم يحن الوقع بعد للتدخل المباشر والعمل على حل الازمة المتشعبة الموجودة في لبنان، اذ ان حصول مثل هكذا امر، لن يكون إلا من ضمن تسوية ما تعمل المطابخ الدولية على حياكتها وإن ببطء.
ad
وحول الزيارة التي قام بها وفد الكونغرس الاميركي الى لبنان، فإن المصادر وضعت هذا الامر في خانة استطلاع الرأي، فالكل يعلم أن مثل هكذا وفد لا يكون في يده الحل والربط، وأن جُلَّ ما فعله اعضاء الوفد الاميركي أنهم كمنوا الاستعجال في انجاز الاستحقاق الرئاسي، وانهم حذروا من تبعات استمرار الفراغ في بلد يغرق من رأسه حتى أخمص قدميه في الازمات الاقتصادية والمالية والسياسية، وانهم بدورهم سمعوا من المسؤولين اللبنانيين آراء متفاوتة حول كل ما طرح من نقاش.
وفي تقدير المصادر ان مثل هكذا زيارات لا تقدم ولا تؤخر على صعيد الأزمة في لبنان، وأن المؤثر الفعلي في هذا الملف هو البيت الابيض والخارجية الاميركية.وعدا ذلك يبقى من باب رفع العتب والظهور في مظهر المهتم بالوضع في لبنان الذي ما تزال واشنطن تعتبره صديقاً لها.