ما أعلنه المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست، عن التوصل بين الولايات المتحدة وروسيا، إلى وثيقة تضمن تنظيم حركة الطائرات الحربية فوق سوريا، رأى فيه ديبلوماسي غير عربي، بلادُه معنية بالشأن السوري، أنّه يتجاوز العنوان العريض بتجنّب الحوادث الجوّية، إلى حدود تثبيت حجر الزاوية، في تأكيد آفاق التعاون لرسم مستقبل سوريا، جغرافياً ونظاماً ومضموناً سياسياً.
صحيح أنّ البنتاغون شدّد على أنّ الوثيقة المذكورة لا ترقى إلى مستوى تعاون استراتيجي، وليست جزءاً من اتفاق أوسع حول الطريقة التي يتدخّل وفقها البَلدان في سوريا، لكنّها بحسب الدبلوماسي نفسه، تؤسس لترسيخ ما هو مضمر إلى الآن في سياسة كلّ من واشنطن وموسكو، في مستقبل سوريا.
أمّا التصعيد الروسي الجوّي المستمر ضد فصائل المعارضة السورية المعتدلة، فيرى الدبلوماسي أنّه لا يتعارض ضمناً مع اتفاق بالخطوط العريضة، بخصوص مستقبل سوريا، نشرَت بعض نقاطه صحيفة «حريت ديلي» التركية، وجاهرَت فيه، أنّ الرئيس رجب طيب أردوغان، ورئيس حكومته أحمد داود اوغلو، وافَقا على صيغة تلحظ انتقالاً سياسياً في سوريا، يبقى فيه الأسد رئيساً رمزياً لستة أشهر، وتُختتم بتنَحّيه.
ويصرّ الدبلوماسي، على أنّ العمل على الخطة قيد الإعداد، بالتعاون مع الولايات المتحدة وتسع دول معنية. وتقترح صيغة الخطة فترةً انتقالية من ستّة أشهر يبقى خلالها الأسد رئيساً رمزياً لإدارة المرحلة، بلا صلاحيات على الجيش والمخابرات، على أن يترك منصبه في نهايتها.
على الضفّة الأخرى، تنشط الدبلوماسية الأميركية في ترتيب اجتماعات جديدة بشأن سوريا، بقيادة وزير الخارجية جون كيري، الذي أكّد من العاصمة الإسبانية مدريد، أنّه سيعقد اجتماعات وشيكة مع قادة من روسيا وتركيا والسعودية والأردن، للبحث في خيارات للانتقال السياسي في سوريا، ولتفادي التدمير الكامل للدولة… وذلك بعدما نقلت وسائل إعلام روسيّة عن مصدر في وزارة الخارجية الروسية قوله، إنّ موسكو تبحث اقتراحاً من كيري بمشاركة ممثّلين من روسيا والسعودية وتركيا والأردن.
وكلّ الوقائع هذه والتسريبات، لا تلغي استمرار التصعيد الميداني، الذي يفترض أن يثمر حالاً مستجدّة على الأرض، بخارطة نفوذ وتقاسُم جغرافي، يمنح من سيكون نواة سوريا الغد، الامتداد الحيوي من حدود لواء اسكندرون شمالاً، إلى القنيطرة ودرعا جنوباً، فيما العمق الحيوي يلحظ حلب المدينة
وبعض ريفها نزولاً إلى حمص، وتبقى المناطق المصنّفة سوريا غير الحيوية أو الصحراء، مسرحاً للمواجهات المتلاحقة حتى إرساء الحلّ الختامي.
إنّما يصرّ الدبلوماسي على أنّ الأمور الوردية ليست هي المنتظرة خلال التطبيق لمضامين الصيغة السورية الجديدة، إذ يترقّب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوّاته من جهة، وردّ الإدارة الأميركية على «منجزاته» من جهة ثانية، في ظلّ شعور عام أنّ الولايات المتحدة قرّرت تركَ الساحة مفتوحة أمامه، وتتصرّف كأن لا مصالح لها في الإقليم، بأكثر من توفير صواريخ تاو المضادة للدروع للفصائل السورية المعتدلة، وبشروط. وبالتالي يفترض قيصر الكرملين أن لا ضيرَ لدى واشنطن إذا قيّض لحملته النجاح في دحر الإرهاب، وإن كان على يقين أنّها لن تنزعج من غَرقِه في المستنقع السوري.
ويتوقّع الدبلوماسي أن تفرض دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية، حضوراً محورياً، إذا أرسَت ترتيباً سياسياً بعد الحسم العسكري في اليمن، حيث يمكن التوجّه إلى الملف السوري سياسياً والمشاركة في رسم أطُر النظام الإقليمي المتكامل.
في السيناريو الافتراضي، بحسب الدبلوماسي، تحقّق واشنطن نتائج مفيدة، أكثر بكثير ممّا لو انغمسَت كما في العراق، إذ يبقى بوتين في الميدان السوري، والشراكة معه، إذا نجح، لا تكلّف الكثير، خصوصاً أنّ حضوره العسكري ليس مجرّد نزهة، والانخراط أكثر فأكثر سيؤثر طبعاً على نشر قوّاته في الإقليم الأوسع، وبالتالي سيرهق الاقتصاد الروسي المتعب أصلاً والمقيّد بالحصار الغربي عليه، إثر الأزمة الأوكرانية المعلّقة.
وهنا يردّد الدبلوماسي، أنّ السيطرة الروسية على الساحل السوري ستلجم فعلاً أيّ فرَص لتصدير غاز إلى أوروبا من دوَل داخلة على الخط، إن كانت قطر أو حتى إيران نفسها. وهي المسألة الحيوية في حسابات القيصر، الذي يريد تثبيت نفوذه عبر الغاز الروسي إلى الاتحاد الاوروبي من خلال الأنبوب الأوكراني، مهما كلّفه الأمر.
وبالعودة إلى السياسة السورية، يلاحظ الدبلوماسي أنّ ما يسمّى إنجازات روسيا الميدانية، لم يمنع تنَبُّه القيصر إلى التخفيف من التفاؤل، والتشديد عَلناً على أنّ دوره العسكري في سوريا، محدود زمنياً، وآفاقه إرساء واقع يؤسس للحلّ النهائي مع النظام، وليس ضرورياً التمسّك بالأسد.
أمّا إقليمياً، فلا يرى الدبلوماسي أنّ التدخّل الروسي في سوريا سيغيّر قواعد اللعِب، فهو يستعيد حصّته من تركة سوفياتية، وفي الوقت نفسه يلتفّ على توسّع نفوذ إيران نفسها، ويقطع طريقها إلى الغرب عبر المنطقة، فيما يبدي كلّ استعداد لبناء شراكة مع الدول الخليجية الراغبة بتنويع مصادر أسلحتها ونفوذها، من باريس إلى موسكو.