Site icon IMLebanon

قدرة الرّدع الأميركية ستتضرّر

 

الحدث في الشرق الأوسط لكنّ السبب موجود في الداخل الاميركي، ذلك أنّ الذهول الذي ساد الاوساط الاميركية عقب إعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب سحب القوات الاميركية من سوريا ونصف قواته من أفغانستان، لم يكن له سوى تفسير واحد في رأي هذه الأوساط: ترامب أراد التودّد للشارع الاميركي على أساس إعادة الجنود الى بيوتهم، وهذا العنوان يستهوي المواطن الاميركي العادي.

 

ولا شك في انّ نتائج الانتخابات النصفية حملت إشارات القلق لترامب، وهو الذي يستعد لمعركة التجديد له بعد أقل من سنتين، في وقت يكاد تحقيق مولر يخنقه.

 

لكنّ الامر كان مختلفاً على مستوى دوائر القرار الاميركي ومؤسسات الدولة. فلم ينتظر كثيراً وزير الدفاع جيمس ماتيس، وهو المعني الاول بقراري الانسحاب، فقدّم استقالته مرفقاً إيّاها برسالة تؤكد اختلاف نظرته عن نظرة ترامب، ووزّع 50 نسخة منها في أرجاء وزارة الدفاع تعبيراً عن سخطه، ولتأكيد اختلاف رأيه عمّا قام به الرئيس الاميركي.

 

ماتيس الذي جاء تعيينه بسبب خبرته الواسعة في الشرق الاوسط نتيجة مشاركته في حربي الكويت والعراق، كان أقرب في التفكير الى المستشار السابق للأمن القومي هربرت ماكماستر ووزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون.

 

وقبَيل إعلان ترامب قراره، سَرّب ماتيس الخبر لصحيفة «وول ستريت جورنال». ولكن عوضاً عن أن يؤدي ذلك الى العودة عن قراره، أسرع ترامب في إصداره، فكتب ماتيس في رسالة استقالته قائلاً: «إنه تحرّكٌ يضع الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط في حالة اضطراب».

 

والأهم انّ مستشار الأمن القومي جون بولتون، المحسوب على الصقور والأقرب الى عقل ترامب وتفكيره، هو بدوره منزعج من القرار ولا يؤيّده.

 

لكنّ العلاقة بين ترامب وماتيس لم تكن صافية في الأساس، فهما تصادما حول ملفات عدة أبرزها على الإطلاق:

 

 

 

 

 

في الواقع كان ماتيس، الذي قاتل بشراسة في الشرق الاوسط ضد حلفاء إيران، يعلم تماماً مدى قدرة «مخالب» إيران على إلحاق الضرر بالمصالح الاميركية في المنطقة وكشف القوات الاميركية.

 

ولذلك، كان الطاقم السياسي الاميركي يرى في ماتيس «الحصن المنيع» أمام جموح رئيس، أو من الفوضى مع إدارة غير مستقرة.

 

خلال العامين المنصرمين تعاقبَ 3 مستشارين للأمن القومي إضافة الى وزيرين للخارجية ووزيرين للأمن الداخلي ووزيرين للصحة وثلاثة رؤساء لموظفي البيت الابيض، والآن جاء دور وزير ثان للدفاع إضافة الى كثير من المواقع الاخرى والتي تأتي في هذه المراتب.

 

القائد السابق لقوات حلف شمال الاطلسي الاميرال جيمس ستافريديس قال انّ قرار الانسحاب هو أسوأ قرار اتخذه ترامب منذ تولّيه الرئاسة. لكنّ السؤال هل لأسبابٍ داخلية فقط كان قرار ترامب؟

 

بالطبع لا، فثمة «قطبة مخفية» في البيت الابيض لها علاقة بصفقة ما مع تركيا. صحيح انّ قرار الانسحاب من سوريا جاء بعد أيام معدودة على اتصال هاتفي بين ترامب والرئيس التركي رجب طيب اردوغان، إلّا انّ مسائل كهذه لا بد ان تكون قد أخذت حيّزاً واسعاً من النقاش والتفاهمات ربما تكون سبقت إطلاق القس الاميركي من تركيا قبَيل بدء الانتخابات النصفية.

 

يومها، تحدث أردوغان بثقة عن عملية تشمل شرق الفرات، وهو ما بات متوافراً بعد قرار الانسحاب الاميركي.

 

ولتركيا هاجس أساسي وهو الاكراد. في العام 2015 وعندما بدأت القوات الكردية بإقامة حزام سيطرة خاص بها في المناطق الحدودية الملاصقة لتركيا، نفّذت أنقرة غزواً لأجزاء من تركيا بهدف تفكيك المناطق الخاضعة لسيطرة الاكراد.

 

لكنّ القيادة العسكرية الاميركية، وبهدف طمأنة الاتراك من جهة وحماية الاكراد من جهة أُخرى، عملت على تسيير دوريات عسكرية مشتركة مع الاتراك بهدف تجميد الوضع العسكري شرق الفرات في المنطقة الغنية بالنفط.

 

والواضح انّ القرار الاميركي يقدّم الأكراد للدبابات التركية، ويعطي أمثولة بالغة السوء لكل من يتحالف مع الاميركيين في الشرق الاوسط.

 

وفي المقابل، بات الأكراد أمام خيار من اثنين: إمّا أحضان الأسد وإيران او أنياب تركيا. كما انّ الاكراد باتوا مُلزمين بالانصات باهتمام أكبر لروسيا، لكنّ المسألة ليست سهلة. فلإيران ايضاً حسابات صعبة مع الأكراد، حيث يطمح اكراد ايران للاستقلال عن الدولة، ولدمشق مطالب كبيرة من الاكراد وفي طليعتها إخضاعهم للدولة السورية.

 

والأهم انّ لتركيا أهدافاً أمنية ولكن ايضاً طموحاً واسعاً بدور سياسي في الشرق الاوسط بدءاً من سوريا، وهو السبب الفعلي لخلافها مع السعودية.

 

وغداة صدور قرار الانسحاب الاميركي، زار الريس الايراني حسن روحاني تركيا. والأكيد أنّ الاكراد سيتجهون الى حرب عصابات ضد الاتراك بعد اكتسابهم خبرة قتالية خلال السنوات الماضية. لكنّ دورهم المستقبلي سينحصر في استخدامهم عسكرياً ولكن من دون أن ينالوا أثماناً سياسية يطمحون اليها.

 

صحيفة «الواشنطن بوست» الاميركية عدّدت 4 قوى رابحة جرّاء الانسحاب الاميركي، وهي:

 

1- الرئيس السوري الذي لم يعد أولوية عسكرية اميركية.

 

2- إيران، وكانت إدارة ترامب قد اعلنت قبل بضعة اشهر بقاء قواتها الى اجل غير مسمّى كدرع واقية ضد ايران. ولا شك في انّ الانسحاب الاميركي سيفتح الطريق البرية بين ايران ولبنان.

 

3- روسيا التي ستعمل على توسيع دورها في سوريا وفي الشرق الاوسط.

 

4- تركيا التي بدأت ترسم دوراً إقليمياً جديداً لها.

 

ويهمس البعض انّ ترامب، الذي يهوى الصفقات، قد يكون قايَض وَقف الضغط التركي على السعودية في ملف الخاشقجي، وفتح الطريق أمام تركيا لتصبح اللاعب الاقليمي بدلاً من السعودية.

 

ذلك انّ البيت الابيض يريد أيضاً، وبقوّة، الاعلان عن خطته «صفقة القرن» لاستثمارها في حملاته الانتخابية السنة المقبلة، ويشكّل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أحد الاركان الاساسية لهذه الخطة.

 

فخلال الاسبوع الماضي، زار وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي واشنطن، في زيارة لم يعلن عنها وبقيت في إطار ضيق والتقى وزير الخارجية الاميركي مايكل بومبيو والمبعوث الاميركي الى الشرق الاوسط جيسون غرينبلات حيث جرى مناقشته دوراً محتملاً لبلاده في مفاوضات مستقبلية بين اسرائيل والفلسطينيين.

 

مع التذكير بالعلاقة الوثيقة بين سلطنة عُمان وايران، ما يعني انّ الدور العماني الجديد يهدف الى إطلاع طهران عن كل الاتفاق ولكن من دون ربطها المباشر فيه، في وقت يريد البيت الابيض إعلان خطته في شباط المقبل كحد أقصى.

 

ومن هنا يريد البعض جوانب غير مرئية من القرار الاميركي بالانسحاب المفاجىء من سوريا: حسابات جديدة تفرضها خطة «صفقة القرن».

 

لكنّ القلق الاميركي الداخلي جرّاء هذا القرار قد يكون عَبّر عنه في وضوح أكثر صديق ترامب وأقرب الناس إليه عضو مجلس الشيوخ السيناتور المخضرم ليندسي غراهام الذي لم يخفِ صدمته، مُعلناً تحذيره من مَغبّة تكرار خطأ سَلفه أوباما الذي خالف توصيات القادة العسكريين في البنتاغون، وعمدَ الى خفض قواته في افغانستان والعراق ما أدّى الى فراغ أمني ساعد على نمو «داعش» وعلى استفادة قوى أخرى تنافس المصلحة الاميركية.

 

وما لم يقله غراهام أعلنه نائب وزير الدفاع الروسي تيمور ايفانوف حين تحدث عن إقامة روسية طويلة في سوريا، وعن التخطيط لإقامة حوض لبناء السفن في ميناء طرطوس السوري سيستخدم في الوقت نفسه لإصلاح سفن الاسطول الروسي.

 

كما انّ الصين باعت كثيراً من الطائرات من دون طيّار (درونز) في الشرق الاوسط، والتي طاولت الاردن والسعودية والامارات والعراق وكذلك ايران وتركيا، وهو ما يزيد من نفوذ الصين في المنطقة.