IMLebanon

واشنطن تُخفّف «الضربْ» وتتمسَّك بالعصا

صار من الواضح ان الولايات المتحدة الاميركية تمارس مع ايران سياسة العصا والجزرة على المستوى المالي. ويبدو ان العصا التي خصّصتها واشنطن لحزب الله، كادت تُدمي رأس لبنان بأكمله، مما اضطرها الى تخفيف الضرب، من دون التخلّي عن العصا.

في الوقت الذي كانت تعلن فيه ايران إعادة ربط مصرفها المركزي بشبكة سويفت العالمية، في اشارة الى عودتها شبه الكاملة الى النظام العالمي المالي، كان تقرير وزارة الخارجية الاميركية الذي صدر في التوقيت نفسه تقريبا، يصنّف ايران على رأس قائمة البلدان الراعية للارهاب في العالم.

ومن المعروف ان ايران فُصلت عن شبكة سويفت قبل اكثر من اربعة اعوام، وتحديدا في آذار 2012 في خطوة هدفت الى زيادة العقوبات الاقتصادية عليها لاجبارها على وقف برنامجها النووي.

وبعد توقيع الاتفاق النووي، بدأت ايران تتخلّص من العقوبات الدولية تباعا، وفق ما نصّ عليه الاتفاق. وقد أُعيد ربط بعض المصارف الايرانية على نظام سويفت في شباط 2016، لكن مسؤولين ايرانيين شكوا من بطء العودة، واستمرار التضييق الاقتصادي على ايران.

مع صدور تقرير وزارة الخارجية الاميركية يتضح ان الولايات المتحدة التي طوت صفحة الأزمة النووية مع ايران، لا تزال تتعاطى مع طهران على اساس وجود ملفات اخرى كثيرة تستدعي استمرار الضغوطات. وبما ان واشنطن «اكتشفت» ان السلاح الاقتصادي هو الأخطر في المواجهات الدولية، فانها واصلت هذا المنحى مع ايران.

هذه الحقائق تفسّر صدور القانون الاميركي الجديد لمحاربة تمويل حزب الله حول العالم ( Hifpa)، بما يعني ان تصفية الحسابات بين الولايات المتحدة وايران مستمرة. ومن البديهي ان لبنان سيتأثر بهذه العملية ما دام حزب الله الذي اعتبره تقرير الخارجية الاميركية احد أذرع ايران الارهابية، هو جزء من النسيج اللبناني.

هذا ما يؤكد ان مسألة صدور لائحة اميركية ثانية وفق قانون ( Hifpa) ليس حدثاً، بل ان عملية اصدار اللوائح ستكون مستمرة وفق اعمال الرقابة والرصد التي تقوم بها أجهزة المخابرات الاميركية المالية حول العالم.

لكن الرهان في هذا الموضوع هو على المدى الذي ستبلغه اللوائح في توسّعها، واذا ما كانت واشنطن ستراعي مسألة كون حزب الله جزء من النسيج اللبناني، كما فعلت في آلية تطبيق القانون، لحماية لبنان من التداعيات.

من هنا، فان التركيز يتمّ حاليا على مراقبة اللوائح، لأن التوسّع فيها قد يحشر حزب الله الى حد العودة عن الموافقة الضمنية على الالتزام باللوائح الاميركية، بما يعني العودة الى المربع الاول في الأزمة، في حين ان بقاء اللوائح ضمن الحدود الضيقة وفق مفهوم حزب الله، يعني استمرار التعايش مع أضرار القانون التي لا بدّ منها.

التحويلات

لكن المشكلة المستجدة حاليا تكمن في التعقيدات الاضافية التي تواجهها التحويلات المصرفية من والى لبنان منذ بدء تطبيق القانون الاميركي الجديد. ورغم ان المصرفيين في لبنان يصرّون على نفي وجود حالة خاصة في مسألة التحويلات، ويعتبرون ان التعقيدات اذا وجدت، انما هي قائمة في كل انحاء العالم بعد بدء تطبيق القانون الاميركي، الا ان الوقائع تُثبت ان لبنان لديه حالة استثنائية في هذه المشكلة كَونَ الحزب المستهدف بالقانون موجود في لبنان من حيث المقر والنشأة والبنية العسكرية والاستخباراتية.

وبالتالي، من البديهي ان يكون الحذر في السماح بالتحويلات المالية عبر الشبكة العالمية من والى لبنان أشدّ تعقيداً من أي بلدٍ آخر في العالم بالنسبة الى قانون ( Hifpa) بالذات.

هذه التعقيدات بدأت تؤثّر سلباً على الاقتصاد، من حيث نمو الودائع، الحركة التجارية، استمرار اعتماد بيروت كمركز اقليمي على اساس الانسيابية في الحركة المالية.

وقد سجلت حركة نمو الودائع صفرا في المئة في الفصل الاول من 2016، وهذا رقم مُقلق، كما ان القطاع التجاري الذي يستحوذ لوحده على 35 في المئة من مجموع الائتمانات المصرفية يسجل تراجعاً يستدعي المعالجة السريعة، كما تمّ تسجيل تملمّل في شركات أجنبية لا تزال مستوطنة في بيروت، وبدأت تخطّط للانتقال الى عاصمة أخرى لتحاشي تعقيدات التحويلات، كما ان العدوى قد تنتقل الى مؤسسسات لبنانية، قادرة على تحريك مقرها الرئيسي الى خارج البلاد .

«ضريبة» القانون الأميركي واضحة على مفاصل الحركة الاقتصادية، بانتظار تحديد حجم الأضرار مستقبلاً، لكن الحاجة الى اجراءات تخفيفية قد تكون اقتربت، ومن ضمنها خطوات قد يتخذها البنك المركزي، لدعم قطاعات من غير المسموح «سقوطها»، لأن النظام المالي اللبناني برُمته يُصبح مُهدداً.