IMLebanon

جنون الأسابيع السبعة

 

 

بات واضحاً أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو سيندفع في تصعيده التصاعدي في لبنان حتى 5 تشرين الثاني المقبل موعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية. فهو يتوخّى «الاقتراع» في صندوقة الإقتراع من خلال الساحة اللبنانية لمصلحة المرشح الجمهوري دونالد ترامب.

ويدرك «حزب الله» جيداً ومن خلفه إيران، الأهداف المخفية لنتنياهو. لذلك يعمل على محاذرة الإنجرار الى أفخاخه، ولكن مع التمسك بتوجيه الضربات الموجعة في الوقت نفسه. وهذا بالضبط ما حملته الرسائل المتعددة للقصف الإنتقامي لـ«حزب الله» رداً على مجزرة «البايجر».

 

ففي الرسالة الأولى استهدفت صواريخ «حزب الله» عمقاً إضافياً وصل إلى الجليل الأدنى للمرّة الأولى وحيفا. وطاول القصف إحدى القواعد الجوية الثلاث الأهم في إسرائيل. كذلك مصانع شركة «رفايل» العسكرية. وألهبت حيفا المنطقة المهمّة على شاطئ البحر المتوسط. أما معادلة «تل أبيب مقابل الضاحية» فهي ستبقى جاهزة عند الردّ على عملية قادة «الرضوان». ذلك أنّ الردّ الحالي محصور فقط بالردّ على «البايجر».

 

والرسالة الثانية هي في رفع درجة نوعية الصواريخ، وهي أكثر تدميراً وأبعد مدى. وهي رسالة حازمة لإسرائيل، ولو أنّ الصواريخ الدقيقة لم تُطلق بعد تجنّباً لمنح نتنياهو الذريعة التي يتوخاها. يعني أقصى التصعيد ولكن من دون اجتياز خط اللاعودة.

 

أما الرسالة الثالثة فهي التأكيد أنّ القدرات الصاروخية والقتالية لـ»حزب الله» لم تتأثر بعد إصابات «البايجر» وأجهزة اللاسلكي وقيادة «الرضوان».

 

أما الرسائل التي ردّت بها إسرائيل من خلال قصف الجنوب فكانت مع استخدام أنواع جديدة من القنابل التدميرية، والتي استُخدمت للمرّة الأولى. وقد يكون الهدف التلويح بإمكانية استخدامها في المدن المكتظة.

 

وقبل ذلك، كانت واشنطن قد أبلغت إلى المسؤولين اللبنانيين الكبار، أنّها حذّرت الحكومة الإسرائيلية من أنّها لن تهبّ لمساندتها في حال كانت هي المبادرة في الخطوة الهجومية على لبنان. أما في حال كانت في وضعية الدفاع فهي في هذه الحالة فقط ستندفع للمشاركة في حماية إسرائيل. وقد تكون هذه الرسالة كافية لتفسير سلوك نتنياهو، الذي يحمل أهدافاً عدة من خلال تصعيده العسكري على لبنان.

 

فهنالك الهدف الأول والقاضي بنقل الأنظار عن جبهتي غزة والضفة الغربية، عبر السعي لضرب القدرة العسكرية لـ«حزب الله». وفي هذا المجال تتقاطع واشنطن وتل أبيب حول تنفيذ هذا النوع من العمليات، لكن مع حرص واشنطن على أن يكون طابعها دفاعياً ومبرراً. ومن هنا «برّرت» تل أبيب عمليتي «البايجر» واللاسلكي بأنّهما استبقتا إمكانية كشفهما وإجهاضهما. أما عملية استهداف قائد مجموعة «الرضوان»، فالتبرير أنّه مدرج على لائحة الملاحقة الأميركية، وأنّه كان يترأس اجتماعاً تحضيراً لاستهداف إسرائيل.

 

والهدف الثاني هو ضمني وغير معلن، ويتعلق بالسعي لإجهاض تفاهمات أنجزتها إدارة بايدن الديموقراطية مع طهران، وظهرت مؤشراتها في مواقف ومجالات عدة. وبالتالي فإنّ «توريط» واشنطن في نزاع واسع سيطاول المنطقة من خلال لبنان، سيؤدي حكماً إلى إجهاض هذه التفاهمات. تكفي الإشارة الى استعداد واشنطن لخفض قواتها العسكرية في العراق، وهو ما كان ليحصل لولا وجود تفاهمات مع إيران تضمن الواقع الأمني للحضور العسكري الأميركي المتبقي، ويؤسسس لتفاهم حول كيفية ملء الفراغ الذي سيحصل. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى الكلام المهمّ للقائد السابق للحرس الثوري الإيراني وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، حيث قال، ولو في معرض إشارته إلى الردّ على اغتيال اسماعيل هنية، إنّ مرشد الثورة لا يريد إشعال حرب مع تل أبيب فيما نتنياهو يسعى اليها.

 

أما الهدف الثالث وهو الأكثر خبثاً، فهو يتعلق بالانتخابات الأميركية. فنتنياهو الساعي لتعزيز حظوظ ترامب يريد توريط الإدارة الديموقراطية بحرب في المنطقة. فإذا ما حصل ذلك سيخسر الديموقراطيون أصوات الجاليات الإسلامية والإيرانية، أما إذا تلكأت عن ذلك فهي ستخسر كثيراً من أصوات اليهود، والذين تظهر أرقام الإستطلاعات تأييد 72% منهم لهاريس.

 

ولا تكمن المعضلة هنا فقط، ذلك أنّ الأرقام تُظهر أنّ 18% من الناخبين المحتملين لم يحسموا بعد موقفهم. وجاء موقف رأس الكنيسة الكاثوليكية ليعقّد الصورة أكثر، حين دعا إلى الاختيار بين الخيار السيئ والأكثر سوءاً. ومعظم هذه الشريحة المتردّدة هي من السود وذوي الأصول اللاتينية. ولا حاجة للإشارة إلى أنّ التنافس متقارب جداً.

 

صحيحٌ أنّ الماكينة الضخمة أو مكونات الدولة العميقة تقف خلف هاريس، ما سمح لها أن تجمع في شهر آب مثلاً أربعة أضعاف ما جمعه ترامب، إلّا أنّه عام 2016 تفوقت هيلاري كلينتون في جمع الأموال على ترامب، وعلى رغم من ذلك فاز الأخير. مع الإشارة إلى أنّ الأوضاع الإقتصادية المتراجعة تعطي نقاطاً لمصلحة ترامب.

 

في اختصار، يسعى نتنياهو للتأثير إنتخابياً لمصلحة ترامب عبر إغراق الإدارة الديموقراطية بوحول لبنان والمنطقة، وهو ما يدفع الى التروي وإجراء الحسابات الدقيقة ولو وسط لهيب حارق ومؤلم، وهو ما يدفع إلى الاستنتاج أنّ جموح نتنياهو وجنونه سيتصاعد طوال الأسابيع السبعة المقبلة.