وسّع العدو الإسرائيلي من الرقعة الجغرافية التي تتضمنها الخرائط المحذرة من استهداف المباني في لبنان، فبعد أن كانت الخرائط تنشر عن الضاحية، وصلت الى صور والبقاع والوردانية، والهدف إلى جانب نشر الخوف بين اللبنانيين، الإيحاء للأميركيين والعالم بأن الجيش الإسرائيلي يسعى لتجنب استهداف وإصابة المدنيين قدر الإمكان.
بالطبع لا يعني الأميركيين حياة المدنيين، لا في لبنان ولا في غزة ولا في المنطقة ولا العالم، فالحرب القائمة اليوم تدور بسلاح أميركي ويد إسرائيلية، أما قرارها فلا يغيب عن البيت الأبيض، ولو مع بعض الهوامش التي يلعب عليها نتانياهو.
عندما زار رئيس حكومة العدو واشنطن خلال منتصف الصيف، ووقف النواب الأميركيون يصفقون له مطولاً، كان يجب على شعوب المنطقة أن يدركوا بأن الحرب مستمرة وطويلة، ولن تتوقف عند حدود غزة، وأن رفض التسليح الأميركي لإسرائيل، خصوصاً الأسلحة والقنابل الضخمة لم يكن سوى موقف شكلي، فبحسب مصادر سياسية بارزة فإن نتانياهو حصل خلال تلك الزيارة على كل ما يلزمه من أسلحة وقرار سياسي لاستكمال الحرب ونقلها الى لبنان، في وقت كانت المقاومة في لبنان ومعها إيران غافلة عن هذا القرار، فكان الظنّ أن الإسرائيلي لن يتمكن من فتح الحرب الواسعة، وهو ما فعله من خلال العمليات الأمنية المعقدة التي حققها وكان أضخمها بعد تفجيرات الأجهزة واغتيال أمين عام حزب الله.
رغم ذلك ظلّت القيادة في إيران، والمقاومة في لبنان، تراهنان على عدم توسيع الحرب، وتوقع انتهائها مع زمن الانتخابات الأميركية، وهو ما فتح شهية العدو على المزيد من التدمير والدم والمجازر، فاستهدف الضاحية بشكل عنيف، وضرب بيروت ووصل الى كسروان والبترون وزغرتا من اجل ضرب الشيعة ضمن النسيج الوطني، وخلق النزاعات الطائفية من خلال بث الرعب في صفوف اللبنانيين وهو ما نجح بعدة مناطق.
رغم كل ذلك لا تزال الرهانات ضمن المحور على اقتراب انتهاء الحرب، وبحسب المصادر فإن الرهان على الانتخابات الأميركية لوقف إطلاق النار لم يعد مقنعاً كما كان في السابق، لأن هذه الحرب باتت لاعباً أساسياً في الانتخابات الأميركية، فالإدارة الحالية الديمقراطية لم تستثمر إنهاء الحرب بالانتخابات بل تستثمر تقديم الدعم الكامل لإسرائيل في الصناديق، تستثمر اغتيال كل قادة المحور، ويستثمر نتانياهو من جهته الحرب لأجل ترامب، وهو سيفعل ذلك عبر الضربة الإسرائيلية لإيران والتي يُتوقع أن تكون على مشارف الانتخابات.
تُشير المصادر إلى أن الضربة الإسرائيلية لإيران ستكون كبيرة وقوية وربما تتخطى كل ما يُحكى في الإعلام عن ضربة مضبوطة أو خطوط حمراء أميركية وُضعت أمام إسرائيل، داعية الإيرانيين الى وقف التعويل على الإدارة الأميركية وتصديقها، فالعيون كلها شاخصة في المنطقة الى هذه الضربة وما يمكن أن يليها، وقبل ذلك لا مكان للحديث عن انتهاء الحرب ولا عن محاولات فرنسية وقطرية من اجل العمل على وقف إطلاق النار، مشددة على أن الإسرائيلي الذي استفاد من كل الجو في العالم لتنفيذ مخططاته في المنطقة لن يقف عند حدود إيران، وربما تكون الضربة عسكرية وأمنية أيضاً وربما تطال ما لا يتوقعه الإيراني.
ترى المصادر أخيراً أن الزمن وحده سيُعطي الإجابة على السؤال حول موقف المحور وصبره الإستراتيجي وما إذا كان رابحاً أو خاسراً، لكن ما يجب فعله اليوم هو تفعيل العمل بالميدان، لأن كل ما هو غير ذلك لن يؤدي سوى الى مزيد من الشهية الإسرائيلية على تغيير وجه المنطقة.