كانت ليلة طويلة ومضنية. لم يغمض فيها جفنٌ لعددٍ لا يستهان به من سكان الولايات المتحدة والعالم. الكلّ متسمّر أمام التلفاز أو الكومبيوتر أو على الهاتف يتابع “أمّ الانتخابات” التي سجّلت رقماً قياسياً بتصويت 160 مليون مقترع أميركي أي بنسبة مشاركة %66,9 مقابل 59,2 % في العام 2016.
لا سهل ممتنعاً في انتخابات 2020 الأميركية الرئاسية. فالمرشح “غير الاعتيادي” خبيرُ استعراضاتٍ تشذّ عن القاعدة. خلد معظم الناس الى النوم أول من أمس واثقين من أنّهم سيصحون على رئيسٍ ديمقراطي، ليتبدّد يقين من بقي مستيقظاً منهم فجر الأربعاء مع اكتساح “رجل المفاجآت” الولايات المتأرجحة التي توقّعت الاستطلاعات سقوطه المدوّي فيها لأشهرٍ طويلة. وفي بداية رحلة الفرز صرع تقدّم ترامب بفلوريدا وبنسلفانيا أحلام “المعسكر الأزرق” بالوصول الى السدّة باكتساحٍ “صاروخي” لا يعتريه خللٌ ولا تشوبه شائبة. فالموجة الديموقراطية التي أمل بايدن اكتساح كارولاينا الشمالية أو تكساس بها تكسّرت كعاصفةٍ همدت فجأةً مع احتفاظ المرشح الجمهوري بفلوريدا التي سبق أن فاز بها في العام 2016 مكذّباً نتائج الاستطلاعات، إضافةً الى كسبه لأوهايو.
وأكمل الرئيس المرشح صعوده ظافراً بتكساس “معقل” الجمهوريين، الذي اعتبرت الاستطلاعات فوز ترامب به أمراً غير أكيد. في تلك اللحظة بدا الرئيس المرشّح وكأنه “يفعلها” للمرّة الثانية، قالباً المقاييس كما حصل في العام 2016.
وتعقّدت الأمور أكثر عندما لم يترّدد ترامب- رغم استمرار فرز الأصوات في سبع ولايات أساسية- في إعلان فوزه “المزعوم” موجّهاً اتهاماتٍ بحصول “تزويرٍ” مقصود، مهدداً باللجوء إلى المحكمة العليا للطعن بقانونية بعض بطاقات الاقتراع عبر البريد. “لقد فزنا بالانتخابات فعلاً. كنت متقدّماً في كثير من الولايات الرئيسة ثم بدأ انتصاري يختفي بطريقةٍ سحرية مع ظهور بطاقات انتخابية مفاجئة واحتسابها”، غرّد حانقاً.
وقد أسفر تعداد البطاقات المتواصل عن تراجع ترامب الملحوظ في كلّ من ميشيغان وويسكنسن الحاسمتين اللتين فاز بهما بايدن في ساعة متأخرة من مساء أمس، ما قلب المشهد لصالح الديمقراطيين وبات مؤشراً قوياً لفوز مرشحهم الأكيد. وبدا ترامب متوتراً، غير ضامنٍ لفوزه الحاسم، ولعلّه لذلك تقدّم بطلبٍ قضائي لوقف الفرز في بنسلفانيا، بعد التماسيْن سابقيْن تقدّم بهما بشأن ميشيغان وويسكنسن، متهماً القيّمين على العملية الانتخابية بمنع “مراقبيه” من الاقتراب لمسافةٍ تقل عن نحو ثمانية أمتار من الموظفين المكلّفين الفرز، فضلاً عن مطالبته بإعادة فرز الاصوات في ويسكنسن.
ومساء أطلّ بايدن على الأميركيين ملقياً كلمةً حملت خصائص خطاب “الرئيس الفائز” مؤكداً أنّ “الشعب مصدر السلطات الوحيد في الولايات المتحدة، ويعود له وحده قرار اختيار الرئيس”. وأكّد بايدن أنّه لن يعلن فوزه، ولكنه بات واثقاً من ظفره بالرئاسة بمجرّد انتهاء عمليات الفرز، داعياً بنبرةٍ هادئة الى رمي الخلافات وراء الظهر. “بعد الانتهاء من هذه الانتخابات المضنية علينا أن نتوقف عن معاملة بعضنا بعضاً كأعداء وأن نصغي الى بعضنا، فما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرّقنا. لقد خضت حملتي كمرشحٍ ديمقراطي ولكنني سأحكم كأميركي”، علّق المرشح الديمقراطي مؤكداً على ضرورة “احتساب كلّ صوتٍ في صناديق الاقتراع، فالاميركيون دفعوا غالياً ثمن الديمقراطية ولن يتخلّوا عنها”. وختم قائلاً: “نحن الشعب لن نقبل بإسكات صوتنا. لن نقبل بالتنمّر، ولن نقبل بالاستسلام. هذا النصر نصرنا جميعاً وليس انتصاراً جمهورياً أو ديمقراطياً بل هو انتصارنا جميعاً”.
ومن المترقّب أن يرفض ترامب نتائج الانتخابات، وألا يقرّ بهزيمته، خصوصاً أنه عبّر بصراحة بأنّ “الهزيمة ليست لأمثاله”، وقد يلجأ للقضاء مؤخّراً إعلان النتائج النهائية مع إمكان حصول أعمال شغب وفوضى في الشارع رفضاً للنتائج من جمهوره الغاضب.
وكما كان متوقعاً، احتفظ الديموقراطيون بالسيطرة على مجلس النواب، إلا أن آمالهم بانتزاع مجلس الشيوخ من الجمهوريين بدأت تتلاشى. وانتزع الديموقراطيون مقعدين من الجمهوريين في كولورادو وأريزونا لكنهم خسروا مقعداً في ألاباما. وكانت الغالبية السابقة 53 للجمهوريين في مقابل 47 للديموقراطيين وحلفائهم.