IMLebanon

الانتخابات الأميركيّة بيْن “المؤسّسة” وأعدائها!

الانتخابات الرئاسيّة التمهيدّية في أميركا التي بدأها الأسبوع الماضي الحزبان الديموقراطي والجمهوري في ولاية آيوا فاجأت بنتائجها خبراء أميركيّين كثيرين. والمفاجأة الأبرز لهؤلاء كانت العودة الكبيرة إلى “الواجهة” للديموقراطي بيرني ساندرز الذي ينافس وزيرة الخارجيّة السابقة هيلاري كلينتون على الترشّح باسم حزبهما للرئاسة. فهو اجتذب باشتراكيّته المثاليّة الذين ينتخبون للمرّة الأولى والناخبين المستقلّين. وهو يستعمل في معركته القضايا التي تهمّ غالبيّة مواطنيه مثل التفاوت في الدخل، ودور الـ”وول ستريت” (شارع الأعمال والمصارف والشركات الكبرى) في الكارثة الماليّة والاقتصاديّة التي وقعت أواخر ولاية الرئيس السابق جورج بوش الإبن، ومثل حقيقة أن أحداً من المتسبّبين بها لم يُحاسب بالسجن، في حين يُحاسب شاب بسبب حيازته كميّة حشيشة لاستعماله الشخصي، ومثل أن نسبة صغيرة جدّاً من الشعب الأميركي تمتلك ستّين في المئة من ثروة الأمّة الأميركيّة، ومثل أن الطلاّب يغرقون في الدّين جرّاء اقتراضهم لإكمال تعليمهم، ومثل أن أميركا هي الدولة ما بعد الصناعيّة الوحيدة التي ليس لديها نظام صحّي مجّاني شامل. والأهم من ذلك كلّه هو أنّه يلقَ تجاوباً من الرأي العام في أميركا وناخبيها. وهو أيضاً أنه يتلقّى تمويلاً مهمّاً لحملته الانتخابيّة من المتوسّطي الدخل بمعدّل 27 دولاراً من كل ناخب داعم. وهو ثالثاً أنّه أسّس منظّمة جيّدة وجدّية لمساعدته في حملته الانتخابيّة. ومن شأن ذلك كلّه أن يزيد فرصه في الفوز على كلينتون في الانتخابات التمهيديّة الثانية التي ستجري في ولاية نيوهامبشير بعد مدّة قصيرة، وذلك بعدما تعادل وإيّاها في آيوا وإن بفارق صغير جداً لمصلحتها.

هذا النوع من الاشتراكيّة المثاليّة سيجد في رأي الخبراء الأميركيّين أنفسهم، تجاوباً أيضاً عندما تصل الانتخابات التمهيدّية إلى الولايات “البيضاء” كلّها إضافة إلى آيوا ونيوهامبشير وفيرمونت. أمّا الناخبون الأميركيّون السود والآسيويّون فإن ردّ فعلهم سيكون إيجابيّاً لساندرز، وكذلك ردّ فعل “اللاتينوس” أي المهاجرين إلى أميركا من دول القارة الأميركيّة. في اختصار، يبدو أن المرشّح ساندرز يدفع حزبه الديموقراطي ومنافسته كلينتون إلى اليسار، ولا أحد يعرف بدقّة إذا كانت الأخيرة والحزب يريدان الاستدارة إلى اليسار إلى الدرجة التي يريدها ساندرز. لكن ما حصل للديموقراطيّين في آيوا، وهو يتكرّر في نيوهامبشير، ليس ثورة على المؤسّسة (Establishment). ذلك أن الرئيس “الديموقراطي” باراك أوباما لا يزال شعبيّاً جدّاً في أوساط حزبه، وغالبيّة أعضائه تريد من المرشّحة كلينتون أن تُتابع تراثه أو ميراثه ولكن في اتّجاه إلى اليسار وإن قليلاً.

ماذا عن المرشّحين في الحزب الجمهوري الذين يتنافسون في الانتخابات التمهيديّة للحصول على حق تمثيله في الانتخابات الرئاسيّة في تشرين الثاني المقبل؟

الجمهوريّون، يُجيب الخبراء الرئاسيّون أنفسهم، قلقون. ذلك أن ما يجري داخل حزبهم هو قطعاً حرب أهلية وثورة ضد “المؤسّسة” فيه. فالمرشّح روبيو هو الوحيد من أصل لاتيني أميركي حل مكان جيب بوش كحامل لواء هذه المؤسّسة، بعد تعثّر أدائه وفشله في استقطاب المؤيّدين من داخل حزبه على رغم الإرث السياسي الكبير لوالده وشقيقه اللّذين ترأّسا الولايات المتحدة 12 سنة، وعلى رغم إرثه السياسي كحاكم لولاية فلوريدا أكثر من مرّة. وبهذه الصفة سيحصل روبيو على التمويل الذي يحتاج إليه، لكن هل يكون ذلك كافياً لكي ينال الترشيح الرسمي ثم لكي يدخل البيت الأبيض رئيساً؟ أم سيأتي ذلك كلّه متأخّراً؟ كل ما نستطيع قوله، يُتابع هؤلاء، هو أن الحملة الانتخابية الرئاسيّة التمهيديّة بين المرشّحين الجمهوريّين ستكون طويلة وقاسية وشريرة وربما فاسدة. وهو أن على المرشّحة كلينتون أن تبذل جهداً كبيراً للفوز بأصوات الأميركيّين الّذين سيصوّتون للمرّة الأولى كما بأصوات المستقلّين. وهو ما يفعله الآن بيرني ساندرز منافسها الديموقراطي على نحو جيّد.

في اختصار، يُنهي هؤلاء الخبراء، المُرعب هو الاستقطاب شبه الشامل الذي يجري بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي وداخل كل منهما. وهو أيضاً الانقسامات وخصوصاً داخل الأول كونها أكبر وأعمق. وسبب الاستقطاب الناخبون البيض الذين لا يشعرون بالأمان على صُعُد عدّة منها الصعيد المالي. وسببه أيضاً المستقلّون المُعادون لـ”المؤسّسة”.