تهديد للسفارة الأميركية في تموز وآب الماضيين وفي كانون الحالي
في الثالث من هذا الشهر، بعد يومين على بداية السنة الجديدة، أطلّ أمين عام “حزب الله” ليقول ضمن كل ما قال: “أميركا هي القاتل المنافق الذي لا مثيل له”. وفي الخامس من هذا الشهر، بعد يومين من كلام السيد حسن نصرالله، وصلت عشرات رسائل التهديد والتحذير الى جيران السفارة الأميركية في عوكر خُتمت بنبوءة: “شيا أنت تمشين باتجاه الموت”. فهل نطوي الصفحة ونقول: هي مجرد مزحة؟ أم نستعين بالمثل الفارسي القائل: الشجاعة بلا حذر حصان أعمى؟
الرقم الذي أرسلت منه رسالة التحذير والتهديد واضح: 227843/81 – ألفا- والرقم يعود، حسب ميزة تحديد المتصل، إلى: علي عبدالله صالح. وصورة البروفايل فيها رجل بالأسود على رأسه قبعة بوجه خفي. وفي الأسفل بوست: جحيم السفارة الأميركية. الهاتف مغلق دائماً. وفي مضمون الرسالة كاملة: “الكوارث لا تحدث وحدها إنما هي عبارة عن سلسلة من الأهداف الدقيقة. حفاظاً على سلامة الموظفين والسكان بمحيط السفارة عليكم إخلاء عوكر فوراً- شيا انت تمشين باتجاه الموت”.
لا، لم نقلب الصفحة، لأكثر من سبب وسبب، أولها أنها ليست أول مرة تُرسل هذه النوعية من الرسائل الى هواتف جيران عوكر. وثانيها، لأن “داتا” أرقام السكان في الجوار في حوزة طرف ما، فمن يملكها؟ وكيف حصلوا عليها؟ وكيف تُرسل هكذا رسائل بالجملة وتعجز الجهات الأمنية عن تحديد المكان والجهة؟
عوكر هادئة. الناس يذهبون ويجيئون بشكلٍ عادي. حاجزٌ للجيش ثابت عند أول المفرق المؤدي إلى موقع السفارة حيث كان يحول دون وصول المتظاهرين في غير مناسبة. والسفارة الأميركية تتمدد صعوداً صعوداً والأعمال فيها تجري على قدم وساق. ونوش وشاحنات ورافعات. لا يوحي أي شيء بشيء ما داهم. أما المحال في الجوار فكثير منها أغلق ليس بسبب الرسائل المنذرة المتتالية بل بسبب صعوبة صمود أصحابها نتيجة الأزمة الإقتصادية الخانقة في البلاد. والسؤال الأول الذي يفترض توجيهه: هل هناك مخاوف فعلية عند السكان في المحيط؟ رئيس بلدية الضبيه- ذوق الخراب- عوكر- حارة البلانة قبلان الأشقر توفي منذ شهر بسكتة قلبية وناب عنه نائب الرئيس عبدو الزغبي. فهل هناك من وصلته أنباء عن التحذير الذي وجه الى جيران السفارة الأميركية في عوكر؟ هل بلغت آذان وهواتف العاملين في البلدية مثل تلك الرسائل؟
ليس التهديد الأول
يتفاجأ من يعملون في البلدية لهذا التحذير الأخير. يغمضون أعينهم قليلاً. يفكرون قليلاً ويخبرون عن آخر ما سمعوه في 16 آب الماضي: “ثمة تحذير مماثل تلقاه بعض الأهالي في ذاك التاريخ واشتكى أحد من تلقوا تلك التحذيرات من رسالة وصلته من جهة مجهولة تقول: “لحفظ دمائكم غادروا عوكر”. ابلغت يومها البلدية المخابرات بالرسالة وانتهى الموضوع عند هذا الحد. والسؤال الذي طرحته البلدية آنذاك وتكرره اليوم: من أين جاء الرقم المجهول بأرقام السكان في جوار السفارة الأميركية؟ سؤال لم يحصلوا على جواب عليه.
الشخص الذي أبلغ يومها البلدية أقفل محله وغادر ليس خوفاً بل بسبب الأزمة الإقتصادية ويقول مع تمنٍ بعدم ذكر إسمه “وصلتني مع آخرين رسالة أولى في 16 تموز، في تمام الساعة الثالثة و14 دقيقة من ذاك اليوم، لكنني كما كل الآخرين لم نهتم بها. اعتبرنا ان هناك من يحاول العبث بنا ومعنا. تقول الرسالة: “تفجير سفارة عوكر مسألة وقت. غادروا فوراً”. تلتها رسالة تقول: “مقتل سفيرة الولايات المتحدة قريب غادروا عوكر”.
مرّ شهر بالتمام والكمال الى أن وصلت رسالة ثالثة في يوم الإثنين، 16 آب، عند الساعة السادسة و11 دقيقة، تقول: “نرجوكم لحفظ دمائكم غادروا عوكر. شيا= روبرت أميس أو ويليام بكلي”. وروبرت أميس لمن لا يعرف كان مدير الشرق الأدنى لوكالة المخابرات المركزية الأميركية. وقُتل في 18 نيسان 1983 عندما اقتحم انتحاري سفارة الولايات المتحدة الأميركية في بيروت بشاحنة مفخخة وقُتل معه يومها 63 شخصاً. أما وليام بكلي فكان ضابطاً في جيش الولايات المتحدة الأميركية. واختطف في 16 آذار 1984 على يد “حزب الله” وقيل يومها أن أحد أسباب إختطافه مع أميركيين آخرين في أوقات مختلفة في بيروت هو محاكمة 17 متشدداً مدعومين من إيران وبينت مقاطع فيديو له أنه تم عصب عينيه وتقييد كاحليه ومعصميه وسجنه في زنزانة أكبر قليلاً من التابوت. وفي 4 تشرين الأول 1985 أعلنت حركة الجهاد الإسلامي إعدامها لبكلي. فهل هذا ما يريد فعله “المهددون” بالسفيرة الأميركية دوروثي شيا؟ هو تهديد علني وعلى قاعدة أن الحذر ليس بجبن كما أن التهور ليس بشجاعة أكملنا السؤال.
إبن عوكر، الذي تلقى الرسالة في 16 آب، أبلغ البلدية كما اتصل في تمام الساعة الواحدة والنصف بمخابرات الجيش في وزارة الدفاع وأخبرهم وقال لهم: “أنا مستعد ان أحضر شخصياً لأدلي بمعلوماتي” غير انهم ردوا عليه: شكراً لك وسنراجعك في الموضوع. انتهى الإخبار عند هذا الحد. هو كان مصراً على عدم إهمال التحذير لسبب لم يغب عن باله يوماً تحدث عنه “نحن كنا في العام 1984، يوم حصل الإنفجار في السفارة الأميركية، قريبين جداً من المكان. وقبل حدوثه وصلتنا رسالة عبر الهاتف الثابت تحذرنا بضرورة إخلاء المكان. لم نعر ذلك أهمية. وعند حدوث الإنفجار أصيبت والدتي ولا تزال حتى اليوم تعاني” ويستطرد “الأنكى أنه بعد تبليغي قيادة الجيش في آب الماضي بدأت تردني إتصالات “ميس كول” لم اجب عليها. لم أقع في فخّ الإجابة والأخذ والرد. كان الرقم ذاته الذي وردتني منه الرسالة التحذيرية. ما يقلقنا كثيراً هو وجود أرقامنا معهم. فمن أين حصلوا عليها؟ لم أسمع برسالة مشابهة وصلت الى أحد البيارتة وهذا معناه أن “الفعلة” يملكون معلومات واسعة عن سكان محيط السفارة”.
إتصلنا على الرقم الذي ارسل رسائل التهديد في تموز الماضي ثم في آب لكنه أصبح بحوذة إمرأة جنوبية قالت أنها اشترته قبل شهر. والسؤال هنا: كيف يمكن أن يرسل صاحب الرقم نفسه تحذيراً أول في تموز ثم تحذيراً ثانياً في آب ولا تُمسك به الأجهزة الأمنية؟
دوروثي شيا تعرف الى الإنكليزية العربية والفرنسية ولا بُدّ أن تكون قد قرأت التهديدات وفهمتها بلغة كاتبها الأمّ. في كل حال حصلنا على معلومات ان القوى الأمنية تبلغت رسمياً التهديد الذي وصل للسفارة والسفيرة وهو تصرف “عديم المسؤولية” جداً.
وماذا بعد؟ ما رأي الأحزاب الوطنية التي دأبت على ارسال “شبابها” الملتحفين بالكوفية الفلسطينية للصراخ “الموت لأمريكا” في عوكر؟
عاصم قانصو أستغرب “التصرف غير المسؤول هذا” واستنكره وقال في اتصال أجريناه معه: “إسألوا القيمين على تلك الأحزاب أمثال “عبد الرحيم مراد والحزب الشيوعي والناصريين والمرابطون”. فماذا يقول عبد الرحيم مراد؟ يجيب “لا نؤيد مثل هذه التصرفات. التظاهرات السلمية مقبولة منا اما هكذا تصرفات فندينها. وإذا اردتم معلومات اضافية راجعوا ابني حسن (وزير الدولة لشؤون التجارة الخارجية في حكومة حسان دياب )”. عبد الرحيم مراد ما عاد يتدخل في السياسة. نراجع لقاءاته الأخيرة فنراه يلتقي المكتب الطلابي الحركي المركزي لحركة فتح ويستقبل سفير الصين ويزور ضريح جمال عبد الناصر ويلتقي رئيس الحزب العربي الديموقراطي الناصري…
نعود لنسأل عاصم قانصو عن معنى مثل تلك التصرفات ممن ينادون “الموت لأمريكا”؟ يجيب “أنا أول واحد اصدرت بحقي اميركا عقوبات اقتصادية لكن “أعوذ بالله” من تهديد احد بالشخصي. هذا اسلوب لا أحبه. وانا ضدّ “دعوسة” الصور وطالما وقفت ضد هذا الاسلوب في الحركة الوطنية واختلفت حوله مع ابو عمار والشيوعي والمقاومة الإسلامية. كما اقف اليوم ضد التعاطي مع السعودية ودول الخليج. المقاومة “على راسي” لكنها لم تبق لنا اي اصحاب. فالعنف لا يؤدي إلا الى العنف والمآسي والموت. أثق انه حين يكثر الأعداء ننكسر لذا اعتبر معاداة الجميع اشبه بقصر نظر وهروب الى الأمام. ثمة كلام كثير “بلا طعمة”.
كلام كثير قد يكون “بلا طعمة” لكن من يجرؤ على أن يهدد بدل المرة ثلاث مرات وأكثر ويبقى حراً طليقاً فهذا أمرٌ “عديم المسؤولية” من جهة ما. اللهمّ ألا يأتي يوم ونسمع فيه من يقول “وقد أعذر من أنذر”.