Site icon IMLebanon

“نحن هنا”

 

 

 

أثار تعرّض السفارة الأميركية في عوكر لإطلاق نار مقارنة بين الشاب السوري قيس فراج بالفلسطيني أحمد أبو عدس، الذي استدرج وأرغم على تلاوة بيان يتحمل فيه مسؤولية التفجير الذي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وبعدها بات مصيره مجهولاً، ولا يزال. وفي المقارنة بعض المنطق، فالمحرك واحد مع تباين في الأهداف. إذ أنّ جريمة اغتيال الحريري كانت الفاتحة العملية، بعد مرحلة التحضير للتطبيق الفعلي، لوضع أسس سيطرة إيران على لبنان، والفصول المتعاقبة منذ ذلك الحين تؤكد هذا التوجه.

 

أمّا في مسألة السفارة، فالأمر لا يتجاوز «الحاجز الطيار» بهدف لفت الأنظار. والمُسْتَهْدَف ليس لبنان أو «نصرةً لأهل غزة وانتقاماً من الولايات المتحدة لدعمها المطلق لإسرائيل التي ترتكب مجازر يومية بحق شعب فلسطين». المُسْتَهْدَف هو ذاته الذي دفع رأس المحور إلى زج حركة «حماس» في عملية «طوفان الأقصى» ليقول «نحن هنا» للذين يسيرون على هدى المشاريع الساعية إلى الانفتاح الاقتصادي، مطالباً بحصته كلاعب إقليمي، يجيد التخريب حتى يحصل على ما يصبو إليه من نفوذ وسيطرة.

 

فرأس المحور يبقى الأمهر في الابتزاز عندما يفتح البازار على مزايدات مفصلية في مراحل حرجة وحساسة، كالتي تعيشها المنطقة. وليس أفضل من الساحة اللبنانية لإيصال الرسائل الحامية أو الفاترة أو المحدودة، كما هي رسائل عوكر المتكررة. فهنا مربط خيله وخلاياه. وهنا التحكم المطلق والقبضة المطبقة على كل ما يجري. بالتالي، هنا يمكن تنفيذ أي مخطط مهما كان كبيراً أو صغيراً بدقة وحرفية.

 

صحيح أنّ الرسالة تستدعي تنظيم «داعش» غب الطلب كما جرت العادة، والاستثمار فيه لصرف النظر عن رهن البلد لحرب «المشاغلة» وما يمكن أن تسفر عنه التطورات الدرامية لجهة تفلت الأمور وإقدام العدو الإسرائيلي على عدوان أوسع، يتجاوز من خلاله قواعد الاشتباك الحالية مع «حزب الله» إلى فتح جبهته الشمالية، بالتزامن مع جرائم إبادته الشعب الفلسطيني في غزة، مع أن الأمر مستبعد بفعل التوافق الأميركي/ الإيراني، حتى الساعة، على عدم توسيع الجبهة في لبنان. كذلك يفيد الاستثمار في كون قيس فراج سورياً مسجلاً لدى مفوضية شؤون اللاجئين، لاستغلال ملف النازحين وتصنيفهم ذئاباً منفردة وقنابل موقوتة، بما يخدم أجندة المحور وأذرعه، وتحديداً النظام الأسدي، ويوحي للموتورين والخائفين من «الآخر» إلى الغوص أكثر فأكثر في رعب «الاسلاموفوبيا» والاعتقاد أنّ هذا المحور هو السبيل الوحيد لحماية «الأقليات»، كما يوحي بأنّ أي عودة لهؤلاء إلى بلدهم تستدعي حماية النظام ورفع العقوبات عنه وتمويله. وإلا ما سيحصل سيكون أخطر مما هو متوقع.

 

لكن يبقى الأساس هو حث الولايات المتحدة على الالتفاف إلى المنبع، لأنّ الروافد يبقى دورها محدوداً. وما يريده «الشيطان الأكبر» لن يحصل عليه إلا إذا سلك الطريق الصحيح باتجاه رأس المحور. غير ذلك إضاعة وقت واستدراج لمزيد من الفوضى في الساحة اللبنانية السائبة. وما دام البازار مفتوحاً، لا يبدو مستبعداً المزيد من الدعوات المشابهة، إن على طريقة استهداف «ذئب منفرد» للسفارة، أو «الاعتداء على مطاعم تحمل أسماء شركات أميركيّة في بغداد».

 

«وهلق وقتها» للقول «نحن هنا»، خصوصاً مع مسارعة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى طرح مبادرته لغايات انتخابية، ما أوجب حدة التصعيد بين إسرائيل والحزب.

 

فرأس المحور، الذي لم يتدخل لوقف حرب الإبادة التي يرتكبها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولم يكترث لحقن الدماء الفلسطينية التي حركت الضمير الشعبي العالمي، لن يتوقف، تماماً كما لن تتوقف الجرائم الإسرائيلية، إلا عندما تتفاعل الولايات المتحدة مع رسائله.