الإحباط واليأس اللذان يضربان جزءاً كبيراً من اللبنانيين، يجعلانهم يتعاطون، وللأسف، بلامبالاة مع أحداث عالمية يعتبرون أنفسهم أنهم في منأى عنها.
لكن فات اللبنانيين أنَّ لا شيء يحدث مصادفة، وإن كان الإخراج الإستراتيجي يوحي وكأن هناك صدفة.
منذ أسابيع قليلة بدأت صحف غربية وفي أكثر من بلد بكشف ما بات يُعرَف بأوراق بنما التي تتضمَّن 11 مليوناً ونصف مليون وثيقة عن عملاء وزبائن في بنما يلوذون بها إمَّا للسرَّية وإما للتهرب الضريبي وإما لتبييض الأموال.
البسطاء اعتقدوا أنَّ أبطال عملية الكشف هذه صحافيون استقصائيون عملوا شهوراً لكشف هذه الملفات بعدما تمكَّنوا من قرصنة برامج الكترونية وحسابات قادتهم إلى هذه الوثائق.
مما لا شك فيه أنّه كان هناك جهدٌ صحافي مشكور، لكن العملية تتعدى الإستقصاء الصحافي إنها ببساطة واختصار:
حربٌ كونية ضدَّ الإرهاب وأموال الإرهاب، تشارك فيها دولٌ عظمى منها الولايات المتحدة الأميركية، وفي كل مرة تخرج إلى العلن مثل هذه الوثائق تكون تهيئة أو خلق أجواء لقرارات مالية غالباً ما تكون أميركية.
***
كيف تدرَّجت القضية؟
في 11 نيسان الحالي أصدرت وزارة الخزانة الأميركية المراسيم التطبيقية لقانون الكونغرس الذي صدر في كانون الاول الفائت والذي يقضي بمنع التمويل عن منظمات منها منظمة حزب الله. وفصَّل المرسوم العقوبات التي تطاول المصارف والشركات المالية والأفراد الذين تثبت التحقيقات خرقهم هذا القانون لجهة تمويل المنظمات المصنَّفة محظورة وفق هذا القانون، وحددت المراسيم التطبيقية نوعية الأعمال من تقديم خدمات مالية وعقد صفقات وغسل أموال. وتم تكليف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية مهمة إعداد العقوبات المالية إنطلاقاً من تحديد المؤسسات التي ستخضع لحظر شديد بعد التثبت من تورّطها في الجرائم المالية.
***
بعدما صدرت المراسيم التطبيقية في 11 نيسان الحالي، وبعدما تبلَّغها لبنان بشكلٍ رسمي، يُفتَرض أن تبدأ إجراءات التطبيق تحت طائلة كارثة مالية يقع فيها لبنان.
هذه الكارثة المالية، إذا ما جرى تفصيلها، فإنها تتضمَّن الوقائع والمعطيات التالية:
الشركات المالية، شركات التأمين، تجار المجوهرات، شركات التسليف والرهونات، شركات تحويل الأموال، الشركات والأفراد الذين يعملون في مجال بيع السيارات واليخوت والقوارب والطائرات.
***
قد يعمد البعض إلى البديل من خلال إتمام معاملات البيع والشراء من طريق الدفع نقداً، لكن حتى هذا الأسلوب سيُعتَبر عملية غسل للأموال، واستطراداً سيُعتَبر جريمة يعاقب عليها القانون.
***
وقالت مصادر إنَّ هذه اللائحة قابلة للزيادة ولا يمكن للمصارف اللبنانية إلاّ أن تلتزم بها وأن تقفل حسابات من وردت أسماؤهم فيها.
حاكم مصرف لبنان رياض سلامه المؤتمن على السياسة النقدية في لبنان، الذي استطاع، عبر هذه السياسة التي ترجمها في قرارات وتعاميم نقدية ومصرفية، أن يحمي العملة الوطنية من أي اهتزاز، وبالتالي استطاع أن يحفظ للبنانيين المستوى المعيشي بالحد الممكن، من خلال استقرار سعر صرف الليرة. ومن منطلق موقعه ومسؤوليته قال سلامه:
في المراسيم التطبيقية تتحمّل المصارف مسؤولية تطبيق هذا القانون، وبحال لا تريد تطبيقه، فإنَّ لديها إمكانية عدم العمل مع الخارج. وسنطلب من المصارف التي ستقوم بإغلاق الحسابات أو بعدم فتح حسابات، ان تحترم هذه المراسيم التطبيقية لأن هناك آليات تحدّد على أي أساس تتعاطى المصارف مع زبائنها، وثانياً أن تُبلغ هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان بنيّتها إقفال حساباتها أو قرارها عدم فتح حساب، وسنضع مهلة زمنية تستطيع الهيئة خلالها الإجابة أولاً.