Site icon IMLebanon

خدمات أميركية – إسرائيلية لحزب الله تعزز موقعه داخلياً واقليمياً

 

من يمنّي النفس في الداخل اللبناني وفي الخارج بتقليص نفوذ حزب الله الاقليمي، ومحاصرته ماليا او حشره في «زاوية» الاستراتيجية الدفاعية كمقدمة «لنزع» سلاحه، اصيب بخيبة أمل جدية خلال الايام والاسابيع القليلة الماضية بفعل خدمات «جليلة» قدمتها اسرائيل ومعها ادارة الرئيس دونالد ترامب اللتان جعلتا المرء لا يميز للمرة الاولى بين مواقف استراتيجية لرئيس الحكومة سعد الحريري، ونائب القوات اللبنانية جورج عدوان ونواب وقيادات حزب الله من «صفقة القرن» وخطر توطين الفلسطينيين في لبنان، والدفاع عن ثروات لبنان الغازية، وهذا انجاز نوعي يسجل في تاريخ العلاقة بين مكونات لبنانية متخاصمة حتى «النخاع» في المواقف الاقليمية، وهي خدمة لم تكن تخطر على البال والخاطر بالنسبة الى حزب الله الذي يبدو اليوم في موقع مريح اكثر من اي يوم مضى بعدما بدأ يكتشف بعض اللبنانيين صوابية مواقفه في تحديد مكامن الخطر الوجودي على الكيان اللبناني من قبل حلفاء مفترضين لقوى بدأت تشعر على «استحياء» بقيمة وجود سلاح حزب الله لمنع تمرير صفقات تلغي الوطن اللبناني جغرافيا وديموغرافيا…

 

هذه المقاربات الاميركية التي لم تجد لها «صديقا» يؤيدها في لبنان، زادت في حراجة موقف مكونات 14 آذار التي حاول بعض الديبلوماسيين الغربيين رفع معنوياتها من خلال الهروب الى الامام والترويج لأزمة مرتقبة ومفتوحة بين موسكو وطهران في سوريا ستؤثر سلبا في نفوذ حزب الله هناك وتدفعه الى تقليص نفوذه الاقليمي… هذه المقاربة تراهن على نتائج اجتماع ثلاثي مستشاري الأمن القومي، الروسي نيكولاي باتريشوف، والأميركي جون بولتون، والإسرائيلي مئير بن شبات، برئاسة رئيس «الحكومة الاسرائيلية» بنيامين نتنياهو، وقد حاولت تلك الاوساط الايحاء بأن ما حصل هو تفاهم على الالتزام بأمن «اسرائيل» في المقام الاول، وهذا يعني التوافق على تحقيق مصالح «الاسرائيليين» في سوريا، بغض النظر عن مصالح باقي الاطراف، لكن تمايز الموقف الروسي العلني الذي دعا الى الحفاظ على مصالح الاطراف الاخرى في المنطقة، قاصدا بذلك ايران، «هشم» هذا الانطباع الذي ارادت «اسرائيل» تعميمه للايحاء بأن واشنطن وموسكو متفقتان على دعم «اسرائيل» سواء في السياق السوري أو الإيراني.

 

وفيما حاولت الدوائر الديبلوماسية نفسها التحذير من خطورة هذا الاجتماع الأمني ـ السياسي كونه يكرس مكانة «إسرائيل» في الاقليم، فان الديبلوماسية الروسية عملت خلال الساعات القليلة الماضية على طمأنة طهران ودمشق من خلال مراسلات رسمية اكدت من خلالها ان شيئا لم يتغير في ضوء هذه الاجتماعات التي تريد منها موسكو تخفيف حدة التوتر في المنطقة وعدم تحويل سوريا الى ساحة للمواجهة العسكرية بين «اسرائيل» وايران، مؤكدة ان الكرملين لن يقبل ان تكون اي تفاهمات على حساب اي طرف خصوصا شركاءه في الحرب ضد الارهاب على الاراضي السورية.

 

ووفقا لاوساط معنية بهذا الملف، كان الرئيس فلاديمير بوتين واضحا مع حليفه السوري وصديقه الايراني، وهو كلف وزير الخارجية سيرغي لافروف ابلاغ الطرفين بأن موسكو ليس في نيتها خيانة اصدقائها او حلفائها في المنطقة، واذا كان «لإسرائيل» مصلحة في المشاركة في النقاشات حول الجوانب الإقليمية المتعلقة بسوريا وإيران، إلا ان عليها التزامات في مقابل تحقيق تسوية سياسية، فاستقرار سوريا لن يحصل دون مراعاة مصالح الجميع ولا تفاهمات على حساب «الشراكة» مع طهران ودمشق…

 

ووفقا للمعلومات، لم يتوصل المشاركون في الاجتماع إلى تفاهمات عملية حول مستقبل سوريا اوإخراج القوات الإيرانية، وكان الجانب الروسي واضحا من خلال ابلاغه الاطراف المشاركة في الاجتماع انه لا يملك القدرة على الطلب من الايرانيين الانسحاب حتى لو اقتنع بالفكرة،لان هذا الامر منوط بتورط العملية السياسية والتفاهمات بين الدولة السورية والايرانية، وليس بمقدور موسكو فرض امر واقع على الطرفين، ومن يظن عكس ذلك فهو لا يدرك حقيقة الوقائع على الارض. وكان مستشار الامن القومي الروسي حاسما في التأكيد على شرعية استمرار حكم الرئيس السوري بشارالأسد في سوريا، ودعا نظراءه الى الاعتراف بأنه انتصر في الحرب، ولا بديل عنه على الأقل في السنوات القريبة المقبلة… وفي المقابل لم تحصل «إسرائيل» على وعد بأن تحاول موسكو اعادة «الحرارة» لقناة الاتصال السابقة التي رعت مرحلة ما بعد وقف النار في الجولان من أجل منع حدوث «سوء فهم « ومنع التصعيد بسبب حصول اي تقييمات خاطئة، وكذلك الطلب من النظام السوري منع انتشار عناصر حزب الله او من الحرس الثوري بالقرب من هضبة الجولان…!

 

وفي هذا السياق، تفيد المعلومات بأن طهران كانت متعاونة للغاية مع موسكو في خفض وتيرة التصعيد في الجنوب السوري ولا شيء جديد على هذا المستوى، وثمة تفاهم بين الايرانيين والسوريين وحزب الله على ترك المنطقة للقوات النظامية السورية التي تشكل جزءا لا يتجزأ من القوات العسكرية التابعة لمحور المقاومة، ووجودها هناك مصدر اطمئنان على عكس ما يحاول البعض الايحاء به، مع العلم ان «بصمات» حزب الله لا تزال واضحة على امتداد الحدود السورية مع فلسطين المحتلة، وذلك من خلال قوات سورية رديفة تتبع مباشرة للهيكل التنظيمي التابع للحزب في سوريا، وهو امر تدركه «اسرائيل» وكذلك موسكو.

 

وفي الاطار نفسه، عززت الميوعة «الاسرائيلية» حيال عملية ترسيم الحدود البحرية والبرية موقف حزب الله، وقد اثبتت النقاشات مع نائب وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى ديفيد ساترفيد الحاجة الى ضرورة محافظة لبنان على كل اوراق قوته وفي مقدمها سلاح المقاومة، وتروي مصادر مطلعة على حيثيات المفاوضات الطويلة كيف تدرج المبعوث الاميركي من التهديد والوعيد الى طلب ضمانات من لبنان بعد الاقرار بمطالبه المحقة، فعند بداية التفاوض ابلغ ساترفيلد رئيس مجلس النواب نبيه بري ان العرض «الاسرائيلي» غير قابل للمساومة يقوم على التسليم بخط هوف البحري، ولبنان مخير بين قبوله او تركه، وهو بذلك يخسر الوساطة الاميركية الى الابد… بعدها جرى تنسيق عالي المستوى بين حزب الله والمفاوضين اللبنانيين، خرج بعدها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بخطاب اعلن خلاله بوضوح ان المقاومة جاهزة لوقف انتاج الغاز في فلسطين المحتلة عندما تقول الدولة اللبنانية ان «اسرائيل» مصرة على سرقة حق لبنان في حقوله…بعدها تغيرت اللهجة الاميركية وجاء ساترفيلد متواضعا الى بيروت عارضا سلسلة من التفاهمات، والتساؤلات حول صواريخ حزب الله «الدقيقة»، ثم جاءه الرد الحسام مرة جديدة من السيّد نصرالله، وانتهى النقاش في هذه النقطة، وعادت «اسرائيل» ومعها واشنطن الى ما تم التفاهم عليه حول تلازم الترسيم البحري والبري.

 

والان وبعدما تصاعدت حدة التوتر في الخليج، انتقلت اسئلة المصادر الديبلوماسية الغربية في بيروت الى مرحلة جديدة بعيدا عن استعجال لبنان في البدء بالبحث في الاستراتيجية الدفاعية، والاهتمام منصب في هذه المرحلة على الحصول على ضمانات بأن لا يتدخل حزب الله في اي حرب تشنها اميركا على ايران، بعد ان اكد السيد نصرالله بأن المنطقة «ستشتعل»… طبعا حزب الله ليس معنيا بتقديم الاجوبة، لكنه اليوم في احسن ايامه بعدما اقتنع «خصومه» في الداخل وعلى «مضض» بأن رؤيته ومقارباته للمخاطر الخارجية في مكانها، وان الادارة الاميركية التي «تلعب» هذه المرة دون «كفوف» تقدم له خدمة مجانية بعدما سقطت «الاقنعة» ولم يعد بمقدور احد الدفاع عن نياتها حتى اعز «الاصدقاء»…