هذا العنوان مأخوذ من بيان صدر عن حاكم مصرف لبنان الأستاذ رياض سلامه، تعقيباً على ما صدر عن الولايات المتحدة من اجراءات تتعلق بمجموعات تعتبرها ارهابية. وهذه العبارة تلخص بايجاز مبدع واقع عالم اليوم، ليس في الشؤون المالية والمصرفية وحسب وانما أيضاً في شتى مظاهر الحياة على هذا الكوكب، من السياسة والى الهمبرغر والجينز وغيرهما! وعندما تصدر أميركا قوانينها لا تترك لدول العالم أي خيار في التنفيذ أو عدمه، وذلك لأنها أقامت في الأساس نظاماً مالياً عالمياً مرتبطاً بالدولار، وكل دولارات العالم تلف الكوكب ولكنها محكومة بمسار إلزامي يمر حكماً في الخزينة الأميركية. وهذا يعني أنها لا تصدر القانون الأميركي الا لأنها تملك القدرة على تنفيذه، شاءت الدول ذلك أم أبت!
لو كان السياسيون اللبنانيون يفكرون بمثل منطق الحاكم المركزي، لأدركوا أن القانون الأميركي في السياسة لا يختلف عن مثيله في الشأن المالي أو المصرفي. غير أن الفارق كبير في الحالين… واذا كانت لأميركا قدرة الإرغام مالياً ومصرفياً وتضمن النتيجة، فإنها في السياسة تملك قدرات كبيرة، ولكنها لا تملك ضمان النتائج سلفاً، ما يعني أن في استطاعة السياسيين اللبنانيين أن يحتفظوا بهامش من القرار المستقل والسيادي، اذا كانوا يريدون ذلك، أو كانوا مقتنعين بذلك أصلاً. وأمام الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان فرصة متاحة في ظل التعقيدات الاقليمية والدولية الراهنة، للإمساك بالقرار الداخلي وحل أزماته المتراكمة بمعزل عن الاشتباك الكبير في المنطقة بين الأطراف المتصارعة فيها…
تتقاطع مصالح أميركا، مع مصالح أنظمة عربية اقليمية وقوى نافذة أخرى في المنطقة مثل تركيا واسرائيل، على إضعاف دول منطقة الهلال الخصيب العربية، في هذه المرحلة وإنهاكها الى أبعد مدى تمهيداً لفرض التسوية الأميركية عليها. وستعمل أميركا لاحقاً على زعزعة الدول العربية الأخرى الحليفة لها، وإضعافها وإنهاكها، فلا يبقى في وجه أميركا منازع أو معترض. ولهذا السبب تماطل أميركا في المفاوضات الجارية راهناً، لكسب الوقت وتضخيم مصادر الاستنزاف للأطراف كلها، وذلك في الزمن المتبقي من ولاية الرئيس اوباما، تاركة قطف الثمار للعهد المقبل والرئيس الجديد في البيت الأبيض…