على وقع التحركات الأميركية العسكرية شمال شرق سوريا وفي العراق، وعلى وقع تحريك الأساطيل الحربية، وعلى وقع التسريبات الإعلامية، بأن تطورات كبيرة ستشهدها المنطقة، وعلى وقع الخطط الأميركية غير المؤكدة، التي تتحدث عن إقفال الحدود العراقية السورية أمام إيران، أي عن فتح معركة برية لاسترداد البوكمال، حيث تتصل منطقة الأكراد بالمواقع الأميركية جنوب سوريا في قاعدة التنف، يقبع ملف لبنان في الانتظار الطويل، ريثما تتضح الصورة في المنطقة.
لن تختلف توزانات القوة في مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق السعودي- الإيراني، عما سبق. لكل طرف من هذين، حساباته العملية التي تملي الاستمرار بالاتفاق، ولو من دون الوصول إلى ترجمات عملية كبيرة. الجميع بات يعرف أنه اتفاق التقاط الأنفاس بالنسبة لإيران، وأنه بالنسبة للسعودية، اتفاق التفرّغ لأولويات تتجاوز تخصيص الوقت والجهد، لمواجهة الفوضى المصنّعة في طهران، والتي يتم تصديرها إلى صنعاء وبغداد وبيروت ودمشق.
في هذا الاتفاق المحسوب، لا مكان للتوقّعات الكبيرة، لكن في الوقت نفسه لا عودة إلى زمن الفوضى الإيرانية، على الأقل في المدى الزمني القريب والمتوسط. على هذا يمكن لإيران أن تعيد ترتيب بيتها الداخلي، وترتيب نفوذها في المنطقة، ويمكن للسعودية أن تراهن على استكمال خطة 2030 بهدوء لا تعكره الصواريخ ولا المسيرات.
أمّا على خط التحركات الأميركية العسكرية، التي تتخذ طابعاً سينمائياً الهدف منه الحصول على ترجمات في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فلا تشي العلاقة الأميركية – الإيرانية بأي تغيير سلبي، يذهب إلى حدّ المواجهة العسكرية في العراق وسوريا. لا بل تشهد هذه العلاقة، ترتيباً لاستمرار التفاوض على الملف النووي، وهي تستفيد من اتفاق التبادل مقابل المال، الذي تمّ توقيعه وتنفيذه برعاية قطرية، وطبعاً من البديهي القول هنا، إنّ الولايات المتحدة الأميركية، لم تكن مضطرة لمدّ ايران بمليارات الدولارات، اذا كانت تستعد لمواجهة عسكرية معها.
في ظل هذه التطورات البراغماتية، التي يفتش فيها كل طرف عن تحقيق حساباته ومصالحه الحيوية، يقبع لبنان في سلة الانتظار، أي يتموضع خارج المعادلة. فهو لا يعتبر ملفاً حيوياً لأي طرف مؤثر، إلا لفرنسا التي يريد رئيسها أن يجلس الى الطاولة، وتحت إبطه ملفات كثيرة.
أمّا الأطراف المؤثرة عربياً ودولياً، فهي غير مستعدة لأن تدفع لطهران أي مقابل، كي تفرج عن الاستحقاق الرئاسي، وتقبل بانتخاب رئيس توافقي. ربما لهذا نفّذ «حزب الله» بطلب من طهران، مناورة إعلامية، هاجم فيها السعودية، في وقت كان وزير خارجية إيران في الرياض. أمّا الهدف منها فهو القول، إنّ «حزب الله» هو من يقرر في الملف الرئاسي، وهي باتت مكشوفة إلى درجة أنّ أحداً من اللاعبين العرب أو الدوليين، باستثناء قطر، لم يكلف نفسه عناء السؤال عن الثمن الذي يجب أن يُدفع لإيران، كي تفرج عن لبنان. إنّه الملف الذي ما زال خارج المعادلة، وقدره الدائم الانتظار الطويل.