من مفارقات القدر الاميركي ان رئيس اكبر دولة في العالم باراك اوباما يبحث عن عمل مع اقتراب موعد مغادرته البيت الابيض، في وقت يتبوأ بعض المتمولين عندنا وفي اقاصي الارض وظائف تسمح لهم بالتحكم برقاب العالم، من غير حاجة الى تقديم شهادة تخولهم الاعتراف بما لديهم من قدرات معنوية من النوع الذي يجيز لهم حرية التصرف بما لديهم من طاقات جعلتهم في اعلى مراكز القيادة السياسية والعسكرية في العالم، ما سمح لهم باتخاذ قرارات افقدت الاكثرية القدرة على مناقشتها.
هذا ما يقال في هذه الايام عن الرئيس باراك اوباما الذي يعد العدة لان يغادر موقعه، حيث يشارف على توديع منصبه في نهاية القسم الثاني من ولايته مع العلم ان من سبقه من الرؤساء الاميركيين لم يكن افضل حالا منه، جراء تقلص هيبته الرسمية كأكبر زعيم على وجه الارض، من لحـظة تخليه عن الرئاسة من غير حاجة الى القول انه مؤهل لان يتولى وظيفة مطلق وظيفة باستثناء قدرته على كتابه مذكراته وكشفه عن اسرار الوظيفة التي تولاها في مرحلة دولية حرجة.
هذا هو باراك اوباما وهذه هي نهايته العملية بعدما شغل الرئاسة الاميركية لمرحلتين رئاسيتين كان خلالهما صاحب قرار لا مجال لمناقشته الى حد الاعجاز عن تصور ما يصدر عنه من دون حاجة الى مراجعة من الداخل او من الخارج، لاسيما ان فريق عمله يضم اكبر الشخصيات الديبلوماسية والعسكرية من غير ان يعني ذلك ان بوسع هؤلاء مناقشته في القرارات التي يتخذها وتصدر عنه بصريح العبارة؟
ولجهة مالية الرئيس الاميركي فانه يتقاضى شهريا راتبا في حدود اثنين وستين الف دولار من دون حاجة الى مكافآت من ضمن الراتب الفضفاض الذي يصله اخر كل شهر، اي اقل بمئتي مرة من اجر الموظف العادي الذي يعمل في البيت الابيض او في اي بيت اميركي عادي، باستثناء اولئك الذين يشتغلون في التجارة العامة او في وظيفة المحاماة والهندسة حيث يصل راتب هؤلاء في الشهر الواحد الى اكثر من ستين الف دولار اضف الى ذلك رجال الاعمال ممن يتعاطون بالبورصات وقطاع النفط (…)
ومن اطرف ما يمكن ان يصل اليه باراك اوباما بعد مغادرته البيت الابيض الى استاذ جامعي محاضر لا يتجاوز راتبه الشهري عشرين الف دولار اي نصف راتب رئيس او وزير ام اداري من الدرجة الممتازة، هذا في حال بلغ عتبة الشهرة اذا صادف ونجح في تقديم فكرة فيلم سينمائي كما حصل مع قلة من غيره من رؤساء اميركيين لعبوا ادوارا سياسية مميزة في آخر سنوات حكمهم، بما في ذلك تقديم خدماتهم السياسية لاحدى الجامعات في العالم (…)
هذا هو باراك اوباما الذي بدأ البحث عن وظيفة تقيه الحاجة الى مد يده الى من يحتاج الى خدماته من هنا سيقال الكثير عن الرئيس الاميركي السابق الذي يفهم شؤون الرئاسة وليس اي اختصاص آخر، اقله كي يؤمن مصاريفه الشخصية التي تملي عليه ان لا يكون عاطلا عن العمل مثل اي زعيم سياسي في الدول المتحضرة لان من كان رئيسا في الدول الفقيرة لا بد وان يكون قد عمل حسابا لمرحلة ما بعد الوظيفة الرسمية وكدس اموالا تقيه الحاجة الى من يؤمن له رفاهية في حياته المستقبلية.
من سابق اوانه القول ان الرئيس السابق للولايات المتحدة الاميركية سيكون نكرة في المجتمع الاميركي، ليس لانه سيتعرض للتجريح من جانب خصومه السياسيين بل لانه لن يكون قادرا على مواجهة هؤلاء بوسائل تقليدية خصوصا ان باراك اوباما مشهود له بالهدوء والرصانة اللذين اوصلاه الى البيت الابيض، فيما سيكون عليه ان يكون ذئبا كي لا يجد نفسه يرعى من خلال مناطق مليئة بالذئاب من السياسيين الاميركيين الذين كانت لاوباما صولات وجولات معهم على مدى سنين طويلة من سنوات حكمه (…)
الخلاصة، سيقال الكثير عن الرئيس باراك اوباما، لاسيما اين تحرك بجدارة واين فقد بريق السلطة خلال فترة حكمه، حيث قيل من قبل نهاية ولايته الكثير عن انه كان يتأثر بتصرف زوجته وافراد الاسرة في قضايا وشؤون ذات علاقة بسلام العالم، ان لم نقل بسلام الكرة الارضية التي كثيرا ما تتأثر بكل ما يصدر عن البيت الابيض من مواقف وتصرفات مرتبطة بحال العالم قاطبة!
اما اذا كان من مجال للقول عن اوباما انه كان رئيسا فذا فذلك بعيد من وجهة نظر المراقبين السياسيين والديبلوماسيين الذين لا تربطهم به علاقة صداقة، اضف الى ذلك ان الخلافات بين الديموقراطيين والجمهوريين سيكون لها دور بارز في تحديد المآخذ على الرجل، من غير ان يعني ذلك انه كان محاطا بادارة جيدة بوسعها ان تفيه حقه؟!