بات واضحاً مع تتالي التعيينات بإدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب أنّ إدارته ستضمّ وجوهاً صقريّة بتأييدها إسرائيل. ليس تفصيلاً أن يختار ترامب الحاكم السابق لولاية أركنساس مايك هاكابي كسفير الولايات المتّحدة بالقدس، ومعروف تأييده ضمّ الضفة الغربيّة – التي يتعمّد الإشارة إليها باسمها التوراتي، أي يهوذا والسامرة – إلى إسرائيل. ولا هو تفصيل أن يختار ترامب سيناتور فلوريدا ماركو روبيو كوزير للخارجيّة، وعضو مجلس النوّاب إليز ستيفانيك، كسفيرة بلادها إلى الأمم المتّحدة، ورجل الأعمال ستيف ويتكوف كمبعوث خاصّ للشرق الأوسط، وكلّهم معروفون كمتشدّدين بدعم إسرائيل.
ولم يكن مفاجئاً أن تلقى هذه التعيينات ترحيباً واسعاً في إسرائيل، هذا علماً أنّ استطلاعات الرأي فيها التي سبقت الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة كشفت أنّ غالبيّة الإسرائيليّين يفضّلون ترامب على منافسته كامالا هاريس، وعلماً أيضاً أنّ اليهود الأميركيّين، الذين يصوّتون تقليديّاً ضدّ الجمهوريّين، باتوا عمليّاً مقسومين بين من حافظ على ولائه للحزب الديمقراطي، ومن انتقل إلى معسكر ترامب. وعلى الرغم من هذه المؤشرات، يصحّ التساؤل ما إذا كان شهر العسل بين ترامب واليمين الإسرائيلي سيدوم، أم أنّ حرارة العلاقة ستفتر بسبب الافتراق بأولويّات المرحلة المقبلة، بين ترامب المصمّم على متابعة جولته ضدّ النظام الإيراني، ووجوه صقريّة بحكومة بنيامين نتنياهو تحلم علناً بفرض السيادة الإسرائيليّة على الضفّة الغربيّة.
والحال أنّ المواءمة بين الهدفين صعبة. ذلك أنّ إضعاف إيران في المنطقة يفترض عزلها دبلوماسيّاً في محيطها، عبر تثبيت اتفاقيّات أبراهام، أي معاهدات السلام التي تربط إسرائيل بعدد من الدول العربيّة، أهمّها الإمارات، ثمّ توسيع مسار السلام ليشمل السعوديّة. بالحقيقة، سيكون السلام السعودي – الإسرائيلي لو تحقّق كابوساً لملالي طهران، الذين سيعانون لتبرير سياساتهم الإقليميّة تجاه شعبهم، بعد أن يكون العرب أنفسهم، أصحاب القضيّة الفلسطينيّة الأصليّين، قد وضعوا خطاب العداء لإسرائيل وراءهم. يبقى أنّ ضمّ الضفّة إلى إسرائيل، لو حدث، سيضع مسار التطبيع العربي – الإسرائيلي أمام تحدّ عسير. وكانت لافتة، الإدانة الإماراتيّة لتصريحات وزير الماليّة الإسرائيلي بتسئليل سموتريش، الذي أمل في أن يكون فوز ترامب مقدّمة لفرض السيادة الإسرائيليّة على الضفّة الغربيّة بالعام 2025. وكان السفير الإماراتي بواشنطن يوسف العتيبة ذكّر الإسرائيليّين بأنّ السلام بين بلاده وبينهم كان يفترض إقامة دولة فلسطينيّة بعد فترة محدّدة، وأنّ سياساتهم بالضفّة تنسف أسس حلّ الدولتين. وزارة الخارجيّة السعوديّة أدانت تصريحات سموتريش، علماً أنّ وليّ العهد السعودي أكّد في أيلول الماضي أنّ بلاده لن توقّع اتّفاقيّة سلام مع إسرائيل قبل أن يحصل الفلسطينيّون على دولتهم. ويعدّ موقفه متشدّداً قياساً لمواقف سعوديّة سابقة أوحت بأنّ الرياض يمكن أن تكتفي بالتزام إسرائيلي مبدئي بإقامة دولة فلسطينيّة، لا بإقامة الدولة فعلاً، قبل توقيع السلام معها. وتعني المواقف السعوديّة والإماراتيّة أنّ ضمّ الضفّة لو حدث سيضع كلّ سياسة ترامب الإقليميّة بمهبّ الريح، لأنّ حجر الزاوية فيها، عنيت استمرار التقارب العربي – الإسرائيلي على خلفيّة العداء المشترك لإيران، سيهتزّ.
ومع الإقرار بصعوبة التنبّؤ بما سيحدث، مؤشّرات جديرة بأن تؤخذ في الحسبان:
1) رفض ترامب ضمّ الضفّة إلى إسرائيل خلال ولايته الأولى، لأنّه أعطى الأولويّة لتحقيق السلام العربي – الإسرائيلي برعايته. وأقلّه حتّى تعيين هاكابي سفيراً بالقدس، لم يصدر عن الرئيس الأميركي المنتخب أيّ تصريح يشي بأنّه غيّر رأيه بموضوع فرض السيادة الإسرائيليّة على الضفّة.
2) اليمين الإسرائيلي المتحمّس عموماً لضمّ الضفّة ليس متّفقاً على ما يعني ذلك عمليّاً. سموتريش يريدها كلّها. آخرون يريدون ضمّ المستوطنات فيها. أمّا نتنياهو، فيميل إلى ضمّ المستوطنات، فضلاً عن وادي الأردن، على الحدود مع الأردن.
3) سيؤدي جاريد كوشنر، زوج ابنة ترامب، دوراً غير رسمي بتحديد معالم سياسة بلاده الإقليميّة وكوشنر معروف بعلاقته الوثيقة مع السعوديّة التي استثمرت ملياري دولار بأعماله. وغالب الظنّ أن يكون كوشنر صوتاً مؤيداً لإعطاء الأولويّة لمتابعة مسار السلام العربي – الإسرائيلي.