IMLebanon

الانتخابات الرئاسية الأميركية ومصير الشرق الأوسط

دخَلت الولايات المتحدة الأميركية الساحة الدولية رسميًا بعد الحرب العالمية الأولى، فشكّلت قوّةً وازنة على مختلف الصُعد لا يمكن لأحد تجاهلها. وجَعلت من موقع رئاستها أهمّية عالمية، ذات فعالية متقدّمة. ما سَلّط الأضواء على نتائج عمليتها الانتخابية، التي تعدّت الرأيَ الداخلي للشعب الأميركي، لتطاولَ الرأي العالمي بلا استثناء.

يقوم الناخب الأميركي، في 8 تشرين الثاني في الولايات المتحدة الأميركية، بتحديد المجمع الانتخابي من الرئيس ونائب الرئيس من سنة 2017 إلى سنة 2021. إنّه الرئيس 45 للولايات المتحدة الذي تنتظره تحدّيات على الصعيد السياسي والاقتصادي في الداخل والخارج.

في ضوء الحماوة الانتخابية، تنقسم الجماهير الأميركية بين ديمقراطيين وجمهوريين. وسط تنافسٍ بين المرشّح الجمهوري دونالد ترامب، المتسلّح بثروة من 9 مليارات دولار، وبشهرة تستقطب الإعلام العالمي، وبين المرشّحة عن الحزب الديمقراطي هيلاري كيلنتون ذات السيرة الذاتية الطويلة في العلاقات الخارجية كونها وزيرةَ خارجية سابقة.

تكتسب الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي تجري كلّ أربعة أعوام، أهمّية كبيرة، نظراً إلى أنّ الولايات المتحدة لا تزال تقف على رأس هرمِ النظام الدولي، وتتشابك في الكثير من أزماته وتفاعلاته، ومنها منطقة الشرق الأوسط. في ظلّ السجال الدائر بين المرشح الديمقراطي والمرشح الجمهوري، تعيش منطقة الشرق الأوسط تأثيراتٍ مباشرة وغير مباشرة لهذه الانتخابات من خلال:

– الأعمال الإرهابية التي تضرب الولايات المتحدة، كاعتداء أورلاندو الذي أودى بحياة 49 شخصاً. هذا سيَدفع بتكثيف الأعمال العسكرية الأميركية على منطقتنا، تحت شعار «مكافحة الإرهاب»، وتحديدًا محاربة تنظيم داعش.

– مشروع الشرق الأوسط الجديد. هذا المشروع الذي وضَعته الولايات المتحدة لتقسيم المنطقة، وإدخالها في نيران الصراعات التي لن تنتهي، كي لا يبقى فيها قوّة تملك القدرةَ على التأثير مباشرةً على مصالحها، أو حتى تهدّد أمنَ إسرائيل.

– إشتداد الكباش بين الولايات المتحدة وروسيا الاتّحادية، الذي يترجَم في الحروب القائمة في منطقتنا، حيث ستُضاعف دعمَها للأفرقاء الذين تَعتبرهم حلفاء لسياستها، كالمملكة العربية السعودية. وفي الوقت ذاته، ستَعمل للحدّ من توسّع النفوذ الروسي، عبر جرّ القوات الروسية للانغماس في حروب المنطقة، كما هو الحال في سوريا.

– المحافظة على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة. فالنفط العراقي، والأسواق الخليجية، لا يمكنها الاستغناء عنها، لأنّها الداعم الأساسي لاقتصادها. لذلك، ستعمل على حماية مناطق نفوذها بقوّة عسكرها، ما سيزيد الوضعَ تأزّماً.

– إيران وما تمثّله من محور معاند لسياساتها، من خلال تدخّلِها في العراق واليمن وسوريا ولبنان وحماس في فلسطين، إضافةً إلى ملفّها النووي الذي يَجعل منها دولةً ذات نفوذ في المنطقة. هذا ما قد يشكّل عقبةً أساسية في وجه الطموح الاستعماري لأميركا من جهة. ومن جهة أخرى، يضع إسرائيل في دائرة الزوال.

– الحفاظ على أمن إسرائيل المهدّد دائماً، والمعرّض لأيّ اعتداء في أيّة لحظة، عبر تطبيق خريطة الطريق التي وضَعتها لمصلحة حليفتها إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية، خصوصاً وأنّ للوبي اليهودي الدور الرئيسي في قلب دفّة الميزان في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

إنّ مصير المنطقة مرتبط بنتائج الانتخابات في أميركا. لأنّ الحفاظ على مصالح أميركا فيها، هو هدف سياساتها.

مع تداخلِ المصالح وتقاطعِ النفوذ للدول الإقليمية والدولية فيها، يولي المرشّح هذا الملف اهتماماً خاصّاً في سياساته. لذلك، فالمنطقة هي اليوم في زوبعة الانتخابات الأميركية، إذ كلّما اشتدّت المنافسة بين الناخبين، دخلت المنطقة في دوّامة الصراع.

أخيراً، وسط تسارُع الأحداث عالمياً، وفي ضوء النتائج المرتقبة للانتخابات الرئاسية الأميركية، يبقى مصير شرقِنا يلفّه الغموض، خصوصاً وأنّ اللاعبين الجُدد الذين دخلوا المنطقة يَعمدون إلى المحافظة على مصالحهم الحيوية فيها أمام المدّ الأميركي، مدركين أنّ معايير القوى العسكرية لم تعُد تحسم المعركة على الأرض، مع دخول منظومة الصواريخ البالستية العابرة للقارّات، ومع حركة الترانسفير الديمغرافية التي ستشكّل لاحقًا قنبلة موقوتة في الدول الغربية.

هذا ما يطرح الكثيرَ من الإشكاليات على الرابح لأنّ تركة الرئيس باراك أوباما تبدو ثقيلة، بسبب سياساته التخاذلية التي ظهرَت في أكثر من موقف ومنطقة من العالم، ومنها «هل ينتظر الرابحَ عالم لا يزال يخضع لسياسات مصالح أميركا في التعاطي مع قضايا وأزمات العالم، أم أنّ الواقع سيشكّل عقبات حقيقية أمام مشاريعها؟