IMLebanon

انتخابات الرئاسة الأميركية: بين المتخيل والواقع

مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب يصحّ القول: لا تكره شيئا لعله خير. يصعب التنبؤ بسياسة ترامب ومواقفه. فإذا صدق كلامه الانتخابي، فقد يصل الى حدّ إعلان الحرب على المكسيك وإعادة العمل بنظام التمييز العنصري وإلغاء الضرائب على الشركات الكبرى والتنصل من الاتفاقات الدولية وانسحاب الجيش الاميركي من كوريا الجنوبية وقطع علاقات واشنطن مع عدد غير قليل من الدول، منها دول المنطقة، هذا فضلا عن الحاجة الى ابتكار وسيلة الكترونية للكشف عن المعتقدات الدينية للقادمين الى أميركا.

في الحملة الانتخابية، قدم المرشح ترامب اداءً نموذجيا في الشعبوية اللامسؤولة، وكأنه يدير حملة إعلانية لاطلاق شركة لا تبغي سوى الربح وبأي وسيلة ممكنة. مضامين الحملة الانتخابية كانت أشبه بثرثرة لتمرير الوقت الضائع. ولم تظهر ولو فكرة واحدة مفيدة للمتابعة أو لإثارة فضول الناس.

الا أن أميركا دولة، قبل أن تصبح دولة عظمى، حدود السلطة فيها الدستور والقانون، وقيم الديموقراطية والحريات ثابتة لا يمكن شطبها بكلام المواسم الانتخابية. وللدولة التزامات تجاه شعبها ومؤسساتها وعلاقاتها الخارجية، بمعزل عن مواقف المرشحين وظروف المعركة الرئاسية. إنها ثوابت يمكن تجاهلها ظرفيا، لكن يصعب التنكر لها من موقع السلطة.

المفارقة أن كلام المرشح ترامب استفزّ من هم خارج البلاد اكثر مما استفزّ أكثرية الناخبين الاميركيين، فجاء فوزه لافتا في الولايات المحسوبة تقليديا على الحزب الديموقراطي. ولم تستطع أصوات الاميركيين من أصول لاتينية ومعهم أصوات النساء والسود، الذين دعموا بأغلبيتهم المرشحة كلينتون، أن يمنعوا وصوله الى البيت الابيض. كما أن خطاب ترامب الانتخابي أفرز تجاذبات داخلية لم تكن مرتبطة بالانتخابات الرئاسية من قبل.

الاعتبارات الداخلية وتصفية الحسابات كانت طاغية في الانتخابات، لا موقع أميركا ودورها في السياسة الدولية. فلا حرب باردة اليوم، والحملة الانتخابية الاخيرة التي ارتبطت بالتنافس مع الاتحاد السوفياتي سابقا كانت في زمن الرئيس رونالد ريغان.

فوز ترامب يعود بالدرجة الأولى الى الاعتراض على سياسات الحزب الديموقراطي وعلى إدارة اوباما، لا سيما التأمين الصحي والضرائب ودور الدولة وحجمها في الاقتصاد الوطني. أما السياسة الخارجية فلم ترد سوى عرضا وعن طريق الصدفة، لأن المرشحة المنافسة وزيرة خارجية سابقة متهمة بالاستخفاف بأسرار الدولة عبر استعمالها بريدها الإلكتروني الخاص. وفي ما عدا ذلك، سياسة ترامب الخارجية لم تتجاوز الشعارات الانتخابية الداعية الى استعادة اميركا دورها القيادي في العالم، حدودها المكسيك وتناغم غير مفهوم مع الرئيس الروسي بوتين، أي عمليا لا شيء يمكن البناء عليه لاستخلاص العبر.

في الشرق الأوسط مسائل ثلاث تستجلب الاهتمام الأميركي، بمعزل عن شخص الرئيس. في الصدارة يأتي النزاع العربي – الاسرائيلي. وفي هذه المسألة، سوق المزايدات مفتوح بين المرشحين لدعم اسرائيل. وقد يذهب ترامب الى أبعد الحدود في تبني الموقف الاسرائيلي، ولا سيما أن الأغلبية في الكونغرس بمجلسيه من حزب الرئيس. والكونغرس داعم لاسرائيل بمعزل عن الرئيس. ولا بد من توقع الأسوأ بالنسبة الى الاحتلال الإسرائيلي، إذ ليس من شريك لنتنياهو في اميركا والعالم أفضل من ترامب.

في حروب ما بعد «الربيع العربي»، سيتابع ترامب السياسة التي انتهجها اوباما والتي أدت تدريجيا الى تدخل عسكري للتصدي للإرهاب في العراق وسوريا. التدخل العسكري الأميركي المباشر الذي اعتمده جورج دبليو بوش في العراق غير متاح، على رغم كلام ترامب الانتخابي.

أما الوضع الأكثر عرضة للاهتزاز فيرتبط بالعلاقات الاميركية – الإيرانية. فإذا وصلت الاوضاع الى حد تنصّل واشنطن من اتفاق فيينا النووي، أو الى أقرب نقطة لإسقاط الاتفاق، مثلما يريد الكونغرس وربما الرئيس الجديد، فستكون المنطقة أمام احتمالات الصدام العسكري بين اسرائيل وايران، وما لهذا الأمر من تداعيات كارثية.

في أوروبا، وبرغم إشارات الودّ باتجاه الرئيس الروسي، فإن الأزمة الاوكرانية قد تستعيد زخمها. وفي ظل مناخات التوتر فقد تؤدي الى صدام بالغ الخطورة.

بين المتخيل في الحملات الانتخابية وواقع الحكم وضوابطه، يأتي السؤال، أي ترامب سيمارس السلطة: ترامب المرشح الغوغائي والمتشدد، أم ترامب الرئيس الواقعي والمسؤول، ترامب رجل الأعمال والمال أم رجل الدولة وصاحب القرار العاقل في السياسة الخارجية والدفاعية للدولة العظمى؟ ومن سيكون الى جانبه، وهو غير متمرس بالشأن الخارجي: متنورون أم متهورون؟