IMLebanon

غموض بالمصروف “الجمهوري”… وإنفاق “ديمقراطي” هائل

 

منذ آخر دورتَين انتخابيّتَين للرئاسة الأميركية، اضمحلّت رويداً رويداً الضوابط الفعلية على التبرّعات السياسية للحزبَين الديمقراطي والجمهوري، حتى أضحت القواعد المنظّمة للإنفاق السياسي في حالة يرثى، بدءاً من تراجع جهود الحكومة الفيدرالية في إنفاذ قوانين الرقابة، خصوصاً على حملة المرشّح الجمهوري دونالد ترامب.

أي شخص يراجع تقارير إنفاق حملة دونالد ترامب سيجد نفسه أمام فوضى في إدارة الأموال، لأنّ التصريح عن مصير المليارات التي جُمعت في عامَي 2020 و2024 محدود للغاية، لدرجة أنّ المتبرّعين، وربما حتى الرئيس السابق نفسه، لا يمكنهم معرفة كيفية إنفاق هذه الأموال.

وتكشف تقارير الإفصاح عن الحملة الانتخابية لعام 2020 التي قدّمتها لجنة الانتخابات الفيدرالية أنّ جزءاً كبيراً من الأموال التي جمعها ترامب من التبرّعات توجّهت إلى فجوة قانونية ومالية، تتُهم دائرة مصغّرة، مؤلّفة من أفراد من عائلته ومقرّبين منه، بالسيطرة عليها. وتزداد المخاوف من تكرار السناريو في انتخابات هذا العام.

خلال انتخابات عام 2020، تحوّل نحو 516 مليون دولار من إجمالي 780 مليون دولار أنفِقت من قِبل حملة ترامب إلى شركة خاصة مقرها ديلاوير تُدعى American Made Media Consultants (AMMC)، التي أُنشئت عام 2018 وأخفت هويات المستفيدين النهائيِّين من أموال المتبرّعين، وفقاً لشكوى قُدِّمت إلى لجنة الانتخابات الفيدرالية من قِبل “مركز الحملة القانونية” وهو منظمة غير حزبية.

من بين 150 من أكبر النفقات المُدرجة في تقرير لجنة الانتخابات الفيدرالية لحملة ترامب عام 2020، ذهب 132 منها إلى AMMC، ولم تُفصَّل أو توضَّح هذه النفقات، بل اكتُفِيَ بوصفها بعبارات عامة مثل “وضع وسائل الإعلام”، و”إعلانات الرسائل النصية القصيرة”، و”الإعلانات عبر الإنترنت”. بينما تتطلّب قواعد لجنة الانتخابات الفيدرالية من المرشحين الإفصاح الكامل والدقيق عن المستفيدين النهائيِّين من نفقاتهم الانتخابية، أي أنّه يشمل المدفوعات التي تتم عبر وسيط مثل AMMC. ويهدف التصريح إلى ضمان استخدام مساهمات المتبرّعين لتغطية نفقات الحملة الانتخابية. لكن حالياً لا يمكن للناخبين أو جهات إنفاذ القانون معرفة ما إذا انتُهِكت أي قوانين.

أفادت تقارير أنّ لارا ترامب، زوجة إريك ترامب ابن الرئيس ترامب، كانت أول رئيسة لشركة AMMC. بينما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أنّ الشركة كانت تحت إشراف أمين الصندوق الذي كان أيضاً مديراً مالياً لحملة ترامب الرئاسية عام 2020. كما وقّع جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب، على خطة إنشاء AMMC، ويشارك أحد نواب إريك ترامب، من منظمة ترامب، في إدارتها.

حالياً، تشغل لارا ترامب منصب الرئيسة المشاركة للجنة الوطنية للحزب الجمهوري، فأعلنت أنّها ستتعاون مع حملة ترامب لجمع التبرعات المشتركة. وبحسب وكالة “أسوشيتد برس”، إنّ هذا الكيان المشترك يعطي الأولوية للجنة العمل السياسي (PAC) التي تدفع الفواتير القانونية لترامب على حساب اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، ممّا يهدّد مصداقية الـ PAC في نتفيذ عملها.

في هذه الانتخابات، دفعت حملة ترامب و4 لجان عمل سياسي مرتبطة بها ما لا يقل عن 18 مليون دولار لشركة خاصة أخرى تدعى Red Curve Solutions المتهمة بأنّها تدفع الفواتير القانونية للرئيس السابق، ثم تسترد المبالغ من لجان العمل السياسي، وهنا تتبلوَر عملية “تذاكي” يجريها المرشّج الجمهوري لأنّ القانون غير واضح حول أنواع الفواتير القانونية التي يمكن أن تدفعها الحملات، لكنّ بعضها مسموح به. ويشغل رئيس Red Curve أيضاً منصب أمين الصندوق لحملة ترامب وكذلك اللجان السياسية المرتبطة بها.

الديمقراطيّون يُنفِقون بلا هوادة
من المؤكّد أنّ ترامب يراقب عن كثب تدفّق التبرعات عبر الوسائل الانتخابية التي يديرها أفراد عائلته والمخلصون له. لكن من آذار إلى تموز 2024، أنفقت حملة الرئيس الديمقراطي جو بايدن والمرشحة كامالا هاريس 3 أضعاف ما أنفقته حملة ترامب على الإعلانات. وبحلول أواخر أيار، افتتحت الحملة الديمقراطية 200 مكتب ميداني واستأجرت 1000 موظف في الولايات الأساسية. بينما لم تفتح حملة ترامب أول مكتب لها في ولاية بنسلفانيا الحاسمة حتى حزيران. كانت حملة بايدن قد افتتحت 24 مكتباً هناك في نيسان.

كما أنّ حملة بايدن تدّعي أنّها أنفقت أموال المتبرّعين على الفواتير القانونية، لكن يبدو أنّ ذلك كان بكميات أقل بكثير، إذ دفعت أكثر من مليون دولار للمحامين خلال تحقيق المستشار الخاص في تعامل الرئيس مع الوثائق السرية، وفقاً لما أوردته وكالة “أسوشيتد برس” في نيسان.

ربما تكون حملة ترامب تدّخر من أجل هجوم شامل بعد عيد العمال لتحقيق الفوز. لكنّ حملة هاريس أعلنت أنّها جمعت 540 مليون دولار منذ انطلاقها الشهر تموز، وهو مبلغ يُعَدّ “رقماً قياسياً لأي حملة في التاريخ”، إذ جُمِع بفضل المؤتمر الوطني الديمقراطي في شيكاغو، وشهد تبرّعات بقيمة 82 مليون دولار خلال الأسبوع الماضي فقط، مع تحقيق أفضل ساعة من التبرعات بعد إلقاء هاريس خطاب قبولها مساء الخميس، وفقاً لما جاء في المذكّرة التي أعدّتها جين أومالي ديلون، مديرة حملة هاريس. كما أنّ ثلثَي المتبرّعين الجُدد كانوا من النساء، بحسب ما أفادت الحملة، ممّا يعكس خطابها الانتخابي الداعم للإجهاض والذي يحاول ضمّ اليساريِّين الراديكاليِّين من خلال وعود اقتصادية واجتماعية يسارية متطرّفة

لكنّ الحملة أكّدت أنّ هذه الأموال لا يمكن التأكّد منها بشكل مستقل حتى تُقدَّم التقارير المالية المقبلة، خصوصاً أنّ أرقام التبرّعات ارتفعت أضعافاً نتيجة انسحاب بايدن من السباق الرئاسي.
بحلول نهاية تموز، وهو التاريخ الأحدث الذي تتوفّر عنه أرقام قُدِّمت إلى لجنة الانتخابات الفيدرالية، أفادت هاريس واللجان اليسارية المتحالفة معها بأنّ لديها 377 مليون دولار نقداً، مقارنةً بـ 327 مليون دولار للحزب الجمهوري. ويبدو أن هذه الفجوة ستزداد مع نهاية، علماً أنّ ذلك لا يشمل اللجان السياسية الكبرى التي تدعم كل مرشح.