بعد أيام قليلة على تأكيدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّ ما حقّقه في سوريا هو بـ«فضل موقف الرئيس الأميركي باراك أوباما»، جاء تأكيد الرئيس السوري بشار الأسد «أنّ ما أنجزه الجيش السوري في تدمر هو بفضل الرئيس بوتين». وهو ما يُفسّر أنّ شكر الأخير للأوّل ينسحب من بعده على مَن سبقه اليه. كيف؟ ولماذا؟
أجمعت التقارير الديبلوماسية الواردة من موسكو وواشنطن على أنّ ما حقّقته مهمة وزير الخارجية الأميركية جون كيري في موسكو الأسبوع الماضي شكّلت محطة فاصلة ومهمة في تاريخ العلاقة بين البلدين، وتحديداً في الملف السوري، وتؤسّس لمرحلة جديدة من التفاهم على نقاط لم تتكشف تفاصيلها وأبعادها بعد في انتظار استحقاقات أخرى لن يتأخر الكشف عنها.
وفي التقارير التي تلقتها مراجع معنية ودارت دورتها في حلقة لبنانية ضيقة، أنّ اللقاء الذي جمع كيري ببوتين في 24 آذار الماضي بعد المحادثات التفصيلية مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في حضور اللجان والمستشارين المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط وأوروبا، اعتُبر تكريساً للتفاهمات المتقدمة بين الفريقين أو كان لا بد من تكريسها في اللقاء بين كيري وبوتين.
وفي المعلومات التي تسرّبت أنّ ما تمّ التفاهم عليه واسع وشامل يتجاوز الساحتين السورية والعراقية الى ازمات أخرى كتلك القائمة في اليمن، وربما اوكرانيا لاحقاً.
وافادت هذه المعلومات أنه في معزل عما تحقق حول سوريا فقد ظهرت بشائر الإنفراج في اليمن من خلال التفاهمات الجديدة بين طرفي الحرب مباشرة، أقلّها خفض حجم العمليات العسكرية وتبادل الأسرى، والذي قاد الى إعلان قيادة الحلف الإسلامي – الخليجي من الرياض أنّ عملية «إعادة الأمل اقتربت من نهايتها»، وبات اتفاق وقف النار أمراً محتملاً في أيّ وقت.
اما بالنسبة الى الساحة السورية فقد أشارت المعلومات المتسرّبة من العاصمتين الى عنوانين أساسيين هما:
– السعي الى تثبيت وقف النار على كلّ الأراضي السورية وتوسيع نطاقه حيث ما أمكن. وهو ما اشار اليه كيري يومها عندما تحدث عن تقلص حجم العنف في سوريا على رغم هشاشته، بعدما كان ذلك «حلماً مستحيلاً» ليس بالنسبة اليه فحسب، بل بالنسبة الى كثيرين يواكبون حركة المشاورات الجارية على أكثر من مستوى.
وقال كيري يومها متوجهاً الى هذه المجموعة التي شكّكت في الجهود المشتركة للدولتين: «كثيرون هم الذين اعتبروا أنّ الهدنة في سوريا مستحيلة، ولكنها تحققت بفضل الجهود الروسية والاميركية».
– بشائر تفاهم ثنائي على إعادة تصنيف وتوصيف المنظمات الإرهابية السورية وحصرها على الأقل في الفترة المقبلة بإثنتين هما «داعش» و»جبهة النصرة». والإصرار على حصر العمليات العسكرية المسموح بها في ظلّ وقف النار بالأهداف الجديدة، وتأجيل البحث في مصير المجموعات المتبقية الى حين يمكن قياسه بحجم تقدم المفاوضات السياسية في جنيف والتي ستُستأنف في 14 نيسان الجاري.
وانطلاقاً من اهمية هاتين الإشارتين، تُجمع التقارير الديبلوماسية على أنّ ما تمّ التفاهم عليه وُضع في عهدة الموفد الدولي ستيفان دوميستورا الذي يسعى الى حلٍّ سياسي يتقدّم على الإجراءات العسكرية.
وهو ما عزّز الإقتناع بأنّ أيّ حلٍّ عسكري شامل بات بعيد المنال باعتراف جميع الأطراف المحلية والدولية، ولكنه لا يحول دون توجيه ضربة قاسية وسريعة الى «داعش» و«النصرة».
من هنا، بات أيّ تقدم في المفاوضات السياسية يسير على خطين متساويين أحدهما يمكن ترجمته بالعمل العسكري الموضعي الذي يُقاس بهزيمة «داعش» و«النصرة»، فيما الثاني سيكون عبر استئناف المفاوضات في جنيف خلال الأسبوعبن المقبلين وليس دون ذلك أيّ خيار ثالث.
وعليه، يمكن وضع معركة تدمر في إطارها السياسي والعسكري الذي ظلّله التفاهم الأميركي – الروسي وكرّسته مشاركة الطائرات الروسية والأخرى الأميركية في العمليات العسكرية حول تدمر من دون أيّ حرج. فليس في الأمر سرٌ على الإطلاق، فكلّ ذلك كان معلناً وموثقاً في بيانات الطرفين قبل أن يكرّسهما الغزل وتبادل الشكر والتقدير بين واشنطن وموسكو ودمشق والتهنئة المشتركة بـ «إنجاز تدمر».
لكن على رغم ما تسرّب من معلومات عن الوضع الميداني، فليس سهلاً اكتشاف موقع الرئيس السوري بشار الأسد ومصيره في هذا التفاهم الجديد. وسط تأكيدات بأنه ما زال على طاولة المفاوضات بما فيها من تجاذبات من دون أن يُحسَم حتى هذه اللحظة.
وهو ما أشارت اليه المعلومات التي تسرّبت من عواصم معنيّة بالوضع هناك وتحدثت عن سيناريوهات متعدّدة يقول أحدها إنّ موسكو تناقش هذا الموضوع بصلابة المتمسك بالأسد، لكنّها وفي زمان ومكان ما قد تتراجع أمام حجم الضغوط المفروضة من بقية أطراف الحلف الدولي، ولا يمكنها الصمود كثيراً امام مطالب الغرب الذي ما زال يطالب بإنهاء عهد آل الأسد من دون تقديم البديل، لا على مستوى الشخص، ولا شكل الحكم في سوريا الجديدة، وهو ما شكل نقطة ضعف في خاصرة الحلف الدولي يستغلّها الروس الى النهايات.
وهو ما قاد الى الإعتقاد أنّ الموضوع مطروح على نار خفيفة ويخضع لكثير من التدقيق في انتظار محطات لاحقة للتثبّت ممّا إذا كان هذا التفاهم لمصلحة الأسد أو عليه؟!