Site icon IMLebanon

هل حققت العقوبات الأميركية على لبنان أهدافها؟

 

كي لا نُنعت بالسذاجة علينا أن نقرّ ونعترف بأنه ما من دولة عظمى تعمد إلى فرض عقوبات اقتصادية على وطن قسم هام من نسيجه الاجتماعي يقاوم مخططاتها بشدة، إلا بسبب عجزها الشديد عن اجتياح أراضيه عسكرياً. لكن السؤال المطروح يبقى هو هو، هل أن الشعب اللبناني ما زال بكافة أطيافه وتلاوينه قادراً على الاستمرار في الصمود والتصدي لحرب تجويعه بواسطة أسلحة العقوبات الأميركية؟

 

حتى الآن يمكن القول بأن أحزاب فريق 8 آذار مستمرة مع الحليف العوني في الصمود، بينما وفي المقلب الآخر تستغل معظم قوى فريق 14 آذار استمرار دوران عجلة الانهيار الاقتصادي بهدف ممارسة المزيد من الضغوط على حزب الله لارغامه على نزع سلاحه. ويواجه الحزب ضغوطاً سياسية واقتصادية حادة عقب عملية تفجير مرفأ بيروت وعقب تطبيع دولة الامارات العربية المتحدة للعلاقات مع اسرائيل وسعي السودان للسير على خطاها.

 

ولا أكذّب المنطق القائل بانه كلما طال أمد تعملق الجوع والفقر والبطالة في لبنان نتيجة تلك العقوبات فإن ذلك لن يصب بتاتاً في مصلحة حزب الله وفي مصلحة كل من لدغ من جحر الفقر وما أكثرهم.

 

وعلى ما يبدو فإن حزب الله ونتيجة عربدة الجوع والعوز في لبنان لن يستعمل سلاحه في المدى المنظور ضد اسرائيل، إلا ضمن خانة الدفاع عن النفس والذود عن حياض الوطن في حال عمدت اسرائيل إلى شن حرب عسكرية على لبنان.

 

وهنالك نظرية أخرى تبناها مدير المخابرات الروسية المعروفة باسم GRU الجنرال ستانيسلاف لونيف عندما قال لصحيفة «روسيسكايا غازيتا» الروسية بتاريخ 16 آب 2020 بأنه «يشعر بقلق بالغ عما يُحضّر للدولة اللبنانية بشكل خاص بعد نهاية شهر آب لناحية امكانية انزلاق لبنان نحو اقتتال طائفي يريده الأمريكيو-الأوروبي اعتقاداً منهما أنه بفضله سيختفي سلاح حزب الله»، ويضيف لونيف لمحاوره: «أنا أملك معلومة وثيقة وخطيرة للغاية ومتأكد من صحتها تماماً كما أراك أمامي وهي أن قوة عسكرية كبيرة متخصصة بشؤون الاعتقالات ومؤلفة من أكثر من ألفي ضابط وعسكري ستحاول اعتقال السيد حسن نصر الله، وأن حاملات الطائرات الفرنسية والبريطانية لم تأتِ من أجل المساعدات كما يزعمون بل ان المساعدات ما هي سوى غطاء يتسترون به عما يريدون».

 

قد تكون نظرية الجنرال لونيف صائبة، لأن الحديث الاسرائيلي عن استحالة حسم الامور عسكرياً مع حزب الله تعود أقله إلى العام 2013 حيث انه بتاريخ 27 تشرين الاول 2013 قال الخبير الاسرائيلي ناتان فابر في مقاله الذي نشرته صحيفة «جيروزاليم» بوست العبرية أن «اسرائيل يمكن أن تواجه في حربها المقبلة تهديداً من نحو 800 صاروخ باليستي تملكهم ايران وما بين خمسماية إلى ألف صاروخ تكتيكي من طرازي فتح وفجر متواجدين في جعبة حماس وسوريا وحزب الله، وأن اسرائيل ليست بمنأى عن التعرض للقصف بالصواريخ الباليستية».

 

وكان باحثون اسرائيليون قد صرحوا بأن منظومة القبة الحديدية لن تنجح سوى في اسقاط خمسة بالمائة فقط من الصواريخ الفلسطينية التي اطلقت خلال عملية عامود السحاب ضد قطاع غزة، علماً أن الخبير الاسرائيلي أمنون أبراهيموفيتش كان قد شكك بتاريخ 14 تشرين الثاني 2019 في قدرة بلاده على مواجهة حرب تشارك فيها ايران وحزب الله وحركة حماس، لأن حركة صغيرة مثل الجهاد الاسلامي حسب تعبيره تمكنت من شل اسرائيل ليومين على أثر اغتيال المسؤول في الحركة أبو العطا.

 

إن ما يثبت أن اسرائيل لها اليد الطولى في تفجير مرفأ بيروت لابعاد شبح حرب محتملة عنها مع حزب الله نتيجة عجزها عن خوضها، هو أنه قبل يومين فقط من تفجير المرفأ أي بتاريخ 2 آب 2020 قال ناحوم بارنيا وهو محلل سياسي اسرائيلي في صحيفة «يديعوت أحرونوت» بأن «طريقة عمل الجيش الاسرائيلي تدل على أنه يسعى إلى تجنب أي انفجار»، وأضاف «ما هو غير معتاد أن الأمر أعطي للجنود الاسرائيليين بعدم اطلاق النار على عناصر حزب الله حتى ولو كانوا مسلحين إلا في حال تعرض الجنود لاطلاق النار من قبل الحزب». من هنا اعتبرت اسرائيل ضمنياً أن تفجير مرفأ بيروت هو انتصار هام لها على حزب الله ولبنان لأن ذلك يكون قد أعفاها من خوض حرب مع الحزب.

 

وأختم بالقول بأن مدة العقوبات الأميركية إن طال زمنها فهي لن تصب بتاتاً في مصلحة المواطن اللبناني. إذاً فالكرة اليوم هي في الملعب اللبناني وعليه يترتب على القوى الممانعة اللبنانية مهمة تسديدها لتسجيل هدف في المرمى الامريكي يرغم واشنطن على رفع تلك العقوبات عن لبنان، مع اعترافي بأن المهمة تعتريها معضلات وصعوبات وشوائب لكنها ليست مستحيلة.