يعوّل الكثير في لبنان على وصول المرشّح الديموقراطي جو بايدن الى البيت الأبيض، علّ سياسته تنعكس بشكل إيجابي أكثر على الداخل اللبناني، وتخفّف من سياسة التشدّد التي اعتمدتها إدارة دونالد ترامب في لبنان والمنطقة بهدف تحقيق كلّ مطالب «إسرائيل» في السيطرة على المنطقة. غير أنّ أوساطاً ديبلوماسية عليمة أكّدت أنّ الإدارة الأميركية لا تُغيّر سياستها عادةً مع تغيير الرئيس، وأنّ كلّ ما يهمّها في المنطقة هو حماية أمن «إسرائيل» دون أي شيء آخر.
لكنّ هذا لا يعني بأنّ بايدن هو مثل سلفه دونالد ترامب الذي ذهب بعيداً في الإصطفاف الى جانب «إسرائيل» فيما أسماه «صفقة القرن»، الى درجة إلغاء وجود الدولتين جنباً الى جنب، وذلك خلافاً لما نصّت عليه جميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وإعطاء العدو الإسرائيلي كلّ ما طمح اليه طوال العقود الماضية. فترامب أقرّ باّن القدس هي عاصمة «إسرائيل»، ورسم لهذه الأخيرة دولة موسّعة قضمت الجولان السوري، وجزء من الأردن، والجزء الأكبر من الأراضي الفلسطينية المحتلّة. وكلّ هذا خلافاً للقرارات التي اتخذها مجلس الأمن فيما يتعلّق بحلّ القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. واليوم مع مجيء بايدن الى البيت الأبيض، من المتوقّع أن يعود أكثر الى تطبيق هذه القرارات المتعلّقة بحلّ الدولتين، وإن كان سيكون متحيّزاً أيضاً الى العدو الإسرائيلي.
كذلك أكّدت بأنّ بايدن سيعيد النظر مجدّداً بالإتفاق النووي الإيراني مع مجموعة الخمسة زائد واحد، وتأمل إيران أن تُغيّر الإدارة الأميركية موقفها منه، سيما وأنّ بايدن أعلن أنّه سيعود اليه، وقال وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف أنّه يأمل تحسين الأمور مع «جيرانه». وكان ترامب قد أخرج الولايات المتحدة من هذا الإتفاق فور وصوله الى البيت الأبيض لأنّه أراد تعديله وفق ما يتناسب مع مصالحه ومصالح «إسرائيل» في المنطقة. علماً بأنّه على الرئيس الأميركي الجديد العودة الى النصّ الأساسي للإتفاق النووي، وليس الدعوة الى نسفه والمطالبة بوضع اتفاق جديد لأنّ مثل هذا الأمر لن ينجح.
وترى الأوساط نفسها أنّه بالنسبة للبنان سيقوم بايدن بتخفيف العقوبات عنه، وإن كانت هذه الأخيرة موضوعة من قبل الإدارة الأميركية وتشمل أسماء سياسيين عدّة، خصوصاً إذا ما قام بالتخفيف من الإحتقان بين بلاده وإيران، الأمر الذي من شأنه الإنعكاس بشكل إيجابي على وضع حزب الله وحلفائه السياسيين في لبنان.
وبالنسبة لمسألة ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، أشارت الاوساط الى أنّ إدارة ترامب سعت الى تحريك مسألة المفاوضات غير المباشرة بين لبنان والعدو الإسرائيلي برعاية الأمم المتحدة وبوساطة أميركية، من أجل إنهاء الإتفاق سريعاً لصالح الإسرائيلي قبل مغادرة ترامب للبيت الأبيض. وسعت الى أن يبدأ هذا الأخير بالعمل في الحقلين القريبين من المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان أي حقلي «كاريش» و«تنين» اللذين رفض العدو الإسرائيلي إجراء المفاوضات عليهما مع لبنان.
كذلك قام العدو الإسرائيلي بالترويج الى أنّ المفاوضات «غير المباشرة» ستُصبح مباشرة وتؤدّي الى تطبيع العلاقات مع لبنان، فيما أصرّ لبنان على إعلان أنّ المفاوضات هي محض تقنية، وتجري من أجل أن يستعيد لبنان كامل حقوقه البحريّة والبريّة، وطالب بمساحة أكبر ممّا كان يتوقّع العدو الإسرائيلي. لكن الأوساط عينها شدّدت على أنّ هدف الولايات المتحدة و«إسرائيل» من توقيع الإتفاق بين الجانبين هو أن تقوم هذه الأخيرة بتسيير أمور حقولها النفطية فيما يتعلّق بالإستخراج والإنتاج والبيع، في الوقت الذي سيتمّ فيه الضغط على الشركات المتحالفة مع لبنان مثل «توتال» الفرنسية لوقف عمليات التنقيب في الجانب اللبناني. فقد استطاعت وقف عمل «توتال» في إيران في وقت سابق، وهو ما تسعى اليه في حال لم يُعطَ العدو الإسرائيلي ما يُطالب به.
وذكرت الاوساط انّ لبنان يعي تماماً أهداف العدو الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة، ولهذا حضّر الفريق المفاوض باسمه كامل أوراقه وخرائطه ومستنداته ليُعيد للبنان حقوقه كاملة، وهو لن يتراجع مهما حاول العدو الإسرائيلي رفض التفاوض في المساحة التي يطرحها لبنان، على أنّها تدخل من ضمن حقوقه.
وفيما يتعلّق باللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين الذي يُطالب لبنان بعودتهم الى بلديهما نظراً لعدم قدرته على استيعابهم لوقت أطول بعد، والذي تنوي الإدارة الأميركية إبقاءهم أو «توطينهم» في لبنان رغم أنّ دستوره ينصّ على رفض التوطين، وهو بالتالي غير موقّع على اتفاقية فيينا ذات الصلة، أكّدت الأوساط أنّ أي بلد لا يُمكنه أن يفرض أي شيء على بلد آخر يحظى بالسيادة والإستقلال، وإن كان يُحاول ممارسة شتّى الضغوطات عليه لكي يرضخ. وهذا الأمر حصل مع لبنان، فالولايات المتحدة تسعى لإدماجهم في المجتمع اللبناني رغم رفض لبنان لهذا الأمر، غير أنّه لا يُمكنها أن تفرض هذا الأمر فرضاً عليه. وقد رأينا الى أنّ أوصلت إدارة ترامب لبنان على الصعيد المصرفي والنقدي من خلال ضغوطاته وعقوباتها ما أدّى الى فقدان الدولار الأميركي من السوق، وانخفاض القيمة الشرائية لليرة اللبنانية، إلاّ أنّه لم يُوافق على تنفيذ مطالبها. وفيما يتعلّق ببايدن فسيظهر مع الوقت، إذا ما كان ينوي السير على خطى ترامب، أم أنّه سيُساعد لبنان على إعادة النازحين السوريين الى بلادهم، وكذلك اللاجئين الفلسطينيين كونهم يُساهمون في تدهور الوضع الإقتصادي فيه أكثر فأكثر.