العقوبات الاميركية «شدّت العصب الشيعي» برغم الضائقة
خرج مجلس النواب بأقل الخسائر الممكنة من استحقاق التدقيق الجنائي المحاسبي، وخلافاً للسائد، أبقى الكرة في ملعبه ولم يُلقِها لا على رئيس الجمهورية ولا على حكومة تصريف الاعمال، لأن المطلوب منه قوننة قراره بشمول التدقيق كل الادارات الرسمية بالتوازي، وهو ما يُفترض استكماله بجلسة تشريعية تبحث اقتراحات قوانين نيابية بشمولية التدقيق وإقرار أحدها ليكون قد أدّى الامانة كاملة.
هكذا انتهت عاصفة التدقيق التي خضعت لمزايدات سياسية وإعلامية، ولم يَعُد أمام المعنيين بتشكيل الحكومة حجة تُشغِلهم عن تكثيف الاتصالات وتسريعها لمواكبة الاستحقاقات المقبلة الخطيرة على المنطقة ومنها وفي قلبها لبنان، وحيث أعلن الرئيس الاميركي دونالد ترامب «ان اموراً كثيرة ستحصل خلال الشهرين المقبلين» الفاصلين عن إنتهاء ولايته، وذلك بعد يومين على اغتيال العالم الايراني في مجال تصنيع الصواريخ الباليستية محسن فخري زاده، والذي تلى مجموعة تحركات عسكرية للطائرات الحربية الضخمة وحاملات الطائرات الاميركية في منطقة الخليج والشرق الاوسط، وبعد تهديدات اسرائيل المتتالية للبنان وحزب الله، مرفقة بمناورات عسكرية تحاكي عمليات هجومة ودفاعية لجيش الاحتلال.
لم يعرف المعلقون في الإعلام الاميركي خلفية وأهداف كلام ترامب عن ان اموراً كثيرة ستحصل خلال الشهرين المقبلين، هل هي امور في الداخل الاميركي تتعلق بنتائج الانتخابات وما بعدها، أو امور خارجية كمثل ما يحصل في الشرق الاوسط. لكنهم ربطوا بين كلام ترامب وبين ما يجري من إشتباك كلامي بين اميركا وايران، وما جرى على الارض من تفجير في مجمع نطنز الايراني النووي قبل مدة واغتيال العالم فخري زاده.
ومن البديهي ان يُطرح السؤال: ما هو نصيب لبنان من هذا التوتر؟ ولماذا يؤجل الرئيس سعد الحريري طرح مسودته الحكومية ليعرف رد الرئيس ميشال عون عليها فيقرر ما هي الخطوة التالية؟ وثمة من سأل ايضا عن اسباب وأهداف الحملة الاعلامية في بعض المحطات العربية والاجنبية على ايران، وهذه المحطات وبعض زميلاتها اللبنانية على حزب الله من باب مؤسساته العسكرية والامنية والمالية والاجتماعية والصحية والتربوية، وصولا الى تأكيد مقولة «انه دولة ضمن دولة»؟ وهي الحملة التي ترافقت واعقبت الحملة على ايران وسلاحها الصاروخي والنووي قبل اغتيال فخري زاده؟
من هذه الوقائع، ثمة من يخشى ربط الوضع الحكومي واللبناني عموماً بما يمكن ان يجري خلال الشهرين المقبلين الفاصلين عن تسلم جو بايدن الإدارة الاميركية الجديدة في كانون الثاني المقبل، وترقب سياساته وخطواته الشرق اوسطية. وهل سيبقى سيف العقوبات والضغوط السياسية والاعلامية مُسلطاً على رقاب السياسيين اللبنانيين ولا سيما على حزب الله، وعلى عملية تشكيل الحكومة؟
الضغوط الاميركية باقية على لبنان على الأقل طيلة الشهرين الاخيرين لولاية ترامب، والتلويح بعقوبات جديدة على شخصيات جديدة تعلنها كل فترة السفيرة دوروثي شيا وبعض المسؤولين الاميركيين. ولكن مشكلة هذه الضغوط انها ترتد سلباً على قسم من اللبنانيين وأغلبهم من «اصدقاء اميركا في المناطق المسيحية»، بينما مناطق نفوذ حزب الله «مرتاحة على وضعها» إجمالاً، برغم التذمر من الوضع المعيشي الصعب لغير المنتمين وغير الحزبيين، لكن البيئة الشيعية «شدّت العصب» ليس وراء الحزب فقط بل ووراء شريكته حركة «امل» بعد استهداف معاون الرئيس نبيه بري الوزير علي حسن خليل بالعقوبات.
وفي الجانب الآخر من الصورة، يبدو الكيان الاسرائيلي هو المتوتر اكثر من حزب الله، والاكثر إرباكاً وتردداً في اي خطوة عسكرية قد يُقدم عليها في لبنان، لكن هذا لا يمنع من الحذر من عمليات امنية اسرائيلية في العمق اللبناني (تفجيرات واغتيالات) تسهم في زيادة البلبلة الداخلية وفي تعقيد الامور اكثر على الرئيس المكلف تشكيل الحكومة.