لا غبار على أن الولايات المتحدة الأميركية فرضت عقوبات على حزب الله نتيجة عوامل عدة منها وجود وزراء له في كل حكومة لبنانية وشعور اسرائيل بالعجز عن قدرتها على نزع سلاحه عسكرياً، وتشريع سلاحه في كل بيان وزاري لكل حكومة لبنانية جديدة ما يجعله في صلب الحياة السياسية اللبنانية وهذا بالنسبة لتل أبيب وواشنطن مكسباً كبيراً له.
أما المهم في الأمر أن أميركا كانت ولا تزال تعتبر الكيان العبري الذي نكب فلسطين عام 1948 البوابة والقاعدة العسكرية اللتان تؤمنان مصالحها الاقتصادية في الشرق العربي والشرق الاوسط.
ولأن اسرائيل توصلت إلى قناعة راسخة بأن قوة حزب الله باتت تشكل خطراً داهماً على أمنها ووجودها نتيجة امتلاكه أحدث أنواع الأسلحة المتطورة والصواريخ الدقيقة، كانت العقوبات الاميركية الاقتصادية حياله والتي أثرت سلباً على الأوضاع المعيشية للمواطن اللبناني فازدادت البطالة حيث لامست نسبة ال 55 % وتعملقت الهجرة فضلاً عن تعميق تلك العقوبات لنزيف الاقتصاد اللبناني الجريح وكل ذلك أتى بالتزامن مع حلول الكارثة المأسآة جائحة كورونا مصيبة على لبنان.
أما المخاوف الاسرائيلية من سلاح حزب الله فمن جملة من عبر عنها كان موقع «والاه» الاسرائيلي بتاريخ 30 تشرين الاول 2017 عندما أفاد بأن حزب الله يمتلك صواريخ تمكنه من تسديد ضربات مباشرة ودقيقة لمحطات توليد الكهرباء والموانئ والمطارات ومحطات التحلية ومرافق عسكرية كثيرة أخرى داخل فلسطين المحتلة، وكل ذلك مرده إلى أن الصواريخ الدقيقة توجه بتقنية GPS، فضلاً عن أن الحزب يمتلك صواريخ أرض بحر متطورة جداً تهدد سلاح البحرية الاسرائيلي، كما أورد الموقع بأن الحزب بات بامكانه تهديد التجارة الخارجية الاسرائيلية لأن 98% من تلك التجارة تمر عبر البحار.
وبتاريخ 17 كانون الاول 2020 قالت وكالة رويترز بأن الرئيس الاميركي الجديد جو بايدن أعرب عن رغبته بالاستمرار في فرض العقوبات على حزب الله وهذا ما يجعل نيران الصراع تبقى على قيد الحياة.
عملياً إن من ابتكر خطة الحروب والعقوبات الاقتصادية كان الرئيس الاميركي الاسبق وودر ويلسون وهو الرئيس ال 28 للولايات المتحدة الاميركية عندما قال حينها، إن الامة التي تقاطعها أميركا هي أمة على وشك الاستسلام، من هنا يضيف ويلسون قائلاً يجب ان نطبق هذا العلاج الاقتصادي والسلمي الصامد والمميت كي لا تكون هناك حاجة لاستخدام القوة، وهذا العلاج سيكون علاجاً رهيباً لا يكلف حياة خارج الدولة التي نقاطعها إنما يفرض ضغوطاً عليها. بينما ذهب الرئيس الأسبق نيكسون إلى القول بعد عقود، إن الدولة المناوئة لنا والتي تعجز قواتنا عن اجتياحها فلندع اقتصادها يصرخ من داخل ربوعها.
تمثل المادتان 39 و 41 من ميثاق الامم المتحدة الاطار القانوني الذي تستند إليه الامم المتحدة ومجلس الامن على وجه الخصوص في فرض عقوبات اقتصادية على دول معينة، فوفقاً للمادة 39 يقرر مجلس الامن ما إذا كان قد وقع تهديداً للسلم أو اخلالاً به، أما المادة 41 فتنص على الاحقية الكاملة لمجلس الامن في تقرير ما يجب اتخاذه واتباعه من خطوات وتدابير لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتطبيق قراراته، ويجوز له أن تطلب من أعضاء الامم المتحدة تطبيق هذه التدابير، كما تجيز المادة 41 أيضاً للدولة التي تعاقب، وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً او كلياً مع قطع العلاقات الدبلوماسية.
إن النفوذ الأميركي القوي المتنامي منذ الحرب العالمية الثانية وخصوصاً على الصعيدين التجاري والمالي قد مكن واشنطن من الاستحواذ على سلاح العقوبات الاقتصادية وتطبيقها على دول أخرى مناوئة لها في المصالح وجعلها قادرة على حرمان خصومها عبر تلك العقوبات التي تفرضها من قروض التوريد والتصدير البنكية والحظر التجاري وحظر التحويلات المالية، والحرمان من الحصول على قروض من المؤسسات المالية الأميركية وكذلك الحرمان من الاستثمار في الاصول الأميركية.
إن هيمنة الدولار الاميركي على الاقتصاد العالمي أعان واشنطن على تحقيق مرادها بهذا الخصوص لأن الدولار الاميركي سيطر على نسبة 85% من المعاملات التجارية حول العالم كما أنه أي الدولار يسيطر على 92% من معاملات روسيا والصين فضلاً عن أن النفوذ الاميركي متواجد بقوة هائلة في المنظمات الدولية ومنها البنك الدولي الأمر الذي يتيح لواشنطن فرص التدخل في السياسات الاقتصادية لدول خصومها وهذا ما سيؤدي في المحصلة النهائية إلى خدمة مصالحها.
ويذكر أن وزير الخزانة الاميركية ستيفن مينوشن كان قد أكد من خلال تصريحات لقناة CNBC الاميركية بتاريخ 15 كانون الاول 2019 أن عقوبات بلاده على ايران وكوريا الشمالية تشكل البديل الناجع الذي يغني عن الدخول في حروب معهما لأن ذلك البديل هو الوسيلة المجدية الوحيدة.